الخميس، 06 جمادى الثانية 1447هـ| 2025/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾

 

 

في خضمّ ما تعيشه الأمة الإسلامية من معارك فكرية وسياسية وعسكرية، نتذكّر أن أول ما نزل من الوحي كلمة: ﴿اقْرَأْ﴾. ثم تتابعت الآيات تُعيد الإنسان إلى صلته بربه، حتى خُتمت سورة المزمل بهذه القاعدة العظيمة: ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾.

 

هذه الآية ليست خطاباً تعبّديا مجرداً، بل هي توجيه إلهي يحدّد علاقة الأمة بكتابها: قراءة، وتدبّر، وتعاهد، وربطٌ لحركة المسلم اليومية بالوحي الذي جاء ليحكم حياة الإنسان والمجتمع والدولة.

 

لقد فهم علماء الأمة عبر القرون أن هذه الآية أصلٌ في وجوب تعاهد القرآن، وضرورة أن يكون للمسلم وِرد ثابت، ولو قليلاً، فلا يخلو يومه من قراءة كتاب الله. فالطبري يبين أن الأمر بعد التخفيف يدل على المداومة، والقرطبي يجعل الآية دليلاً على أن يوم المسلم لا ينبغي أن يخلو من قراءة، وابن كثير والشوكاني والنووي وابن رجب وغيرهم يجعلونها مفتاحاً لبقاء الصلة الدائمة بالقرآن.

 

غير أنّ القراءة التي أرادها القرآن ليست مجرد ترديد كلمات، ولا تلاوةً تُطلب للبركة، بل قراءة تُحرّك الفكر وتبني الوعي، قراءة تُنير البصيرة وتحفّز العمل لتغيير الواقع. فالقرآن نزل ليُتلى ويُطاع، لا ليُزيَّن به الصوت فحسب. و﴿مَا تَيَسَّرَ﴾ لا يعني القليل الهزيل، بل ما يستطيع المسلم الاستمرار عليه بقوة وثبات.

 

إن الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى قراءة ترتقي بها من حالة الغربة الحضارية إلى حالة الريادة. قراءةٍ تُعيد المسلم إلى موقعه الصحيح: حاملاً لرسالة الإسلام، عاملاً لإقامة الحكم بما أنزل الله، مستنبطاً من الوحي تصوراً شاملاً للحياة والسياسة والاقتصاد والمجتمع. فكم من مسلم قرأ القرآن كله، فمر على آيات الحكم، وآيات الجهاد، وآيات العدل والظلم، لكن لم يسأل نفسه: أين موقع هذه الأحكام اليوم؟ ولماذا لا تُطبق؟ وكم من قارئٍ ختم الكتاب، لكنه لم يختم التفكير في مسؤولية العمل لإقامة دولة الخلافة التي تُجسّد أحكامه في الواقع!

 

إن الدعوة إلى ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ اليوم ليست دعوة إلى مزيد من الأصوات المرتلة فحسب، بل دعوة إلى نهضة فكرية سياسية تعود بالأمة إلى الوحي، وتحرّرها من واقع التجزئة والهيمنة والتحاكم إلى الطاغوت.

 

فالقرآن إنما يُقرأ ليُطاع، ويُتلى ليُنفّذ، ويُحفظ ليُحكم به. وفي الوقت الذي يكتفي فيه كثير من الناس بالورد اللفظي، تعمل قوى الكفر والاستعمار على كتابة واقع جديد للأمة، بعيداً عن كتاب ربها.

 

وهنا تأتي أهمية إعادة قراءة القرآن قراءة حية ملهمة، قراءة تنتج أفكارا للتغيير، وتفهم أن طريق التحرر يبدأ من إعادة وصل العباد برب العباد، ولن يكون ذلك إلا بإحياء مشروع الإسلام في الحكم، وإقامة دولته.

 

فليكن لكل مسلم وردٌ من القرآن لا يتركه، وردٌ يبني فهمه، ويجدد عزمه، ويذكّره بطريق الحق والعمل له. وليكن شعارنا: اقرأ لتنهض... اقرأ لتعمل... اقرأ ليعود القرآن حاكماً في واقع الأمة.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

تقي الدين البكاري – ولاية اليمن

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع