السبت، 12 ذو القعدة 1446هـ| 2025/05/10م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تمجيد الانتحار الاقتصادي!

قراءة واعية لسداد مصر 10 مليارات دولار لصندوق النقد الدولي

ديون مهلكة.. لا شراكة فيها ولا سيادة!

 

 

 

نقل موقع النشرة في 2/5/2025م، تصريح محمد معيط، المدير التنفيذي للمجموعة العربية في صندوق النقد الدولي، أن مصر سددت أكثر من 10 مليارات دولار من إجمالي 28 مليار دولار تلقتها ضمن 3 برامج تمويلية منذ 2016، مشيراً إلى أن البرنامج الحالي مع الصندوق بقيمة 8 مليارات دولار مستمر حتى نهاية 2026، وأن مصر حصلت حتى الآن على أقل من نصفه. وأضاف أن الحكومة ستركز في المرحلة القادمة على الاستثمار والنمو والتوظيف لدعم الاقتصاد.

 

بينما يقف الملايين من أبناء مصر في طوابير الفقر، وتُخلي الدولةُ مسؤوليتها عن التعليم والعلاج والغذاء، يخرج علينا أحد رموز النظام، محمد معيط، ليعلن "بفخر" أن مصر سدّدت أكثر من عشرة مليارات دولار من أصل تمويلات برامج التعاون مع صندوق النقد الدولي، من أصل 28 ملياراً تلقاها النظام منذ عام 2016، مقابل شروط مرهقة فتكت بالاقتصاد ومزّقت المجتمع.

 

هذا التصريح ليس مجرد خبر اقتصادي، بل هو جريمة سياسية وشرعية متكاملة الأركان، تكشف عن طبيعة التبعية التي ترزح تحتها مصر، والعبث الذي يمارسه النظام بأقوات الناس وسيادة البلاد.

 

لقد قدّم معيط هذا السداد على أنه "نجاح"، في حين إنه في الواقع أحد أكثر المؤشرات دلالةً على عمق التبعية والخضوع للنظام الدولي الربوي الجائر.

 

لكن ما الذي يعنيه فعلاً هذا الخبر؟ وما هي آثاره السياسية والاقتصادية الحقيقية؟ وكيف يمكن أن يعالج الإسلام هذه الكارثة بطريقة جذرية؟

 

صندوق النقد الدولي هو أداة استعمارية ومؤسسة ربوية عالمية، أنشأها الغرب الكافر في مؤتمر بريتون وودز عام 1944، لتكون أداة لضبط العالم اقتصادياً وفق القواعد الرأسمالية، وإخضاع الدول الفقيرة والمتوسطة لشروط "الإصلاح الهيكلي" التي تضمن ديمومة تبعية هذه الدول للمركز الرأسمالي، سياسياً واقتصادياً.

 

من ناحية الشرع القروض الربوية من صندوق النقد الدولي حرام شرعاً، لأنها قائمة على الربا الصريح. لقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ وقوله سبحانه: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾. ومما لا جدال فيه أن الربا من الذنوب الموبقة المهلكة التي تستجلب غضب الله وعذابه في الدنيا قبل الآخرة، وقد بيّن النبي ﷺ ذلك حيث قال: «دِرْهَمُ رِباً يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً»! بل إن إقرار الحاكم المسلم بهذه القروض وملاحقتها وإخضاع البلاد لها هو خيانة للأمانة التي حمّله الله إياها، وهي الحكم بما أنزل الله، والحفاظ على بيضة الأمة وثرواتها، لا بيعها للمستعمرين.

 

ماذا يعني سداد 10 مليارات دولار فعلياً؟

 

إذا أردنا أن نترجم هذا الرقم إلى واقع ملموس، فسنجد أن مصر اقترضت منذ عام 2016 نحو 28 مليار دولار من صندوق النقد، وهو رقم لم يذهب إلى تطوير التعليم أو الزراعة أو الطاقة أو الصناعة. وتم سداد أكثر من 10 مليارات من أصل هذه القروض، بخلاف الربا الذي يُدفع على مراحل وقد يتجاوز نصف المبلغ الأصلي. فمن أين جاءت الدولة بهذه الأموال؟

 

الدولة لم يعد أمامها إلا أهل مصر تجبي أموالهم وتقتطع من أقواتهم وتنهب مدخراتهم وتسرق جهودهم، فمن رفع الدعم عن الغذاء والوقود، وفرض واستحداث ضرائب باهظة على السلع والخدمات، إلى بيع أصول الدولة في برنامج "الطروحات الحكومية"، الذي يشمل شركات استراتيجية، وحتى موانئ ومطارات، ناهيك عن التفريط المتعمد في ثروات البلاد ومواردها. أي أن الفقراء هم الذين سددوا هذه المليارات، لا الدولة ولا النخب السياسية. وفي المقابل، ازداد الدين العام الخارجي ليصل إلى أكثر من 160 مليار دولار حتى عام 2024، ما يعني أن هذا السداد ما هو إلا إعادة تدوير للدين تحت إشراف المستعمر!

 

إن المتابع لتفاصيل العلاقة مع صندوق النقد الدولي، سيجد أن مصر تخضع الآن لما يُعرف بـ"التشاور مع الخبراء الفنيين للصندوق"، وهذا معناه أن:

• كل خطوة اقتصادية كبرى يجب أن تحظى بموافقة الصندوق: من تسعير العملة، إلى الدعم، إلى ضرائب الشركات...

• الموازنات العامة تُراجع قبل عرضها على البرلمان المحلي، أي أن البرلمان المصري لا يملك من أمره شيئاً.

• الصندوق يطالب باستمرار بتوسيع مشاركة القطاع الخاص، وهو في الحقيقة كود لكلمة "بيع الدولة للمستثمرين الأجانب"، ومعظمهم من دول الخليج التابعة بدورها للنفوذ الأمريكي والبريطاني.

فهل بعد ذلك يمكن اعتبار هذا "إنجازاً"؟ أم هو تفريط متعمد في السيادة الاقتصادية والسياسية لصالح الغرب ووكلائه.

وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ومنظمات دولية فقد تجاوزت نسبة الفقر في مصر 30%، وأكثر من 60% من الشعب يعيشون إما تحت خط الفقر أو قريباً منه. كما سجلت مصر أعلى معدلات التضخم في المنطقة، وبلغت مستويات الأسعار أرقاماً قياسية في الغذاء والسكن. وأكثر من 9 ملايين مصري اضطروا للهجرة أو النزوح الداخلي بحثاً عن لقمة العيش. وأُغلقت آلاف الورش والمشاريع الصغيرة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وفقدان العملة لقيمتها. كل هذا في ظل سداد قروض "مبشَّر بها"!

إن الإسلام لا يعالج المشكلة عبر تدويرها ولا عبر "الإدارة الذكية للديون"، بل يرفض أصل الاستدانة الربوية، ويُقيم نظاماً اقتصادياً مستقلاً، يقوم على:

1. وضع الملكية العامة والاعتماد على ثروات الأمة (كالنفط، والغاز، والمناجم، والأراضي العامة).

2. منع وتحريم الضرائب، فلا تُفرض إلا للضرورة إذا وُجدت حاجة شرعية ملحة وعجز بيت المال عنها، وتكون مؤقتة بضرورتها وليست دائمة.

3. إحياء الزراعة والصناعة وخاصة الصناعات الثقيلة والمغذية، وهما عماد الاكتفاء الذاتي.

4. تحريم احتكار المال بيد النخبة أو الأجانب، ومنع بيع أو منح مقدرات الأمة للأعداء.

5. إقامة الخلافة الراشدة التي تجعل هدف الاقتصاد هو إشباع حاجات الناس وفق أحكام الشرع، لا تحقيق الأرباح لفئة معينة أو لسداد ديون مفروضة بالقوة.

إن هذا البلد لن ينهض بالصدقات الخليجية، ولا بفتات صندوق النقد، ولا بدعاية الإنجازات المزيفة، بل ينهض بقطع الحبل السري الذي يربطنا بالغرب الرأسمالي، وبإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تعيد مصر إلى قيادة الأمة، وتُرسي اقتصاداً على أساس طاعة الله، لا الربا والذل والاستعمار!

 

إن سداد مصر أكثر من 10 مليارات دولار لصندوق النقد الدولي ليس شرفاً، بل هو عار على من تولى أمرها وفرط في عزتها، وإنه لخزي في الدنيا والآخرة. وهو مؤشر على مدى التبعية التي وصلتها مصر تحت حكم النظام الجمهوري العسكري الذي لا يحكم بالإسلام.

 

يا أهل مصر الكنانة: إن بقاءكم صامتين أمام هذا الفساد المتعاظم، وهذه التبعية المهينة، هو مشاركة في الجريمة، وإن لم تقولوا أو تفعلوا. قال ﷺ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ».

 

أفيقوا أيها الناس، فالله سبحانه وتعالى لن يغيّر ما بكم حتى تغيّروا ما بأنفسكم. فلا تعلّقوا الأمل بصندوق النقد، ولا بالبنك الدولي، ولا بالاستثمارات الخليجية، ولا بمبادرات العسكر. واعلموا أن الحل الوحيد هو تغيير النظام من جذوره، وإقامة الخلافة على منهاج النبوة، دولة العدل والكرامة والرزق الحلال.

 

أيها العلماء والشيوخ: ألم تروا ما حلّ بمصر والأرض المباركة، والأمة بعمومها؟ أتقرّون نظاماً يحارب الإسلام؟ أتسكتون على حاكمٍ يربّي الأئمة على طاعة الطغاة، لا على توحيد رب الأرض والسماوات؟ أما سمعتم قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ﴾؟! إن واجبكم هو البيان، والنصيحة، والصدع بالحق، وتبني قضايا الأمة، لا تزكية الظالمين ولا خطب "دينية" مفصّلة على مقاس الرئاسة. وكونوا كما كان العلماء الربانيون من قبل، كأحمد بن حنبل في وجه المأمون، وكالعز بن عبد السلام في وجه المماليك، وكتقي الدين النبهاني الذي تصدى لأنظمة سايكس بيكو بلا خوف ولا مهادنة...

 

يا أجناد الكنانة: أما آن لكم أن تراجعوا مواقعكم؟ أأنتم حماة الوطن أم حرّاس النظام؟ أتدافعون عن حدود مصر، أم تحرسون اتفاقية كامب ديفيد، وتقتلعون الأنفاق من تحت غزة؟!

 

أتدفعون عن شعبكم، أم تقفون بينه وبين لقمة العيش وساحات التعبير؟ إن الجيش ليس ملكاً للجنرالات... الجيش أمانة الأمة، وسيفها، ودرعها، وقد جعله الإسلام قوةً للتمكين، لا أداة لحماية الطغاة! إننا ندعوكم بكل صدق أن ارجعوا إلى صف أمتكم، وقوموا بنصرة دين الله، وانحازوا لمشروع الأمة؛ الخلافة الراشدة، فأنتم أهل النصرة، أهل القوة والمنعة، والمطلوب منكم أن تعطوا النصرة، كما فعل الأنصار من قبل.

 

إن الأزمة التي تعيشها مصر ليست اقتصادية فحسب، بل هي أزمة نظام علماني رأسمالي فاسد عميل. وإن العلاج لا يكون بترقيع هذا النظام، ولا بتدوير الوجوه، ولا بالمفاوضات مع جلادينا، بل بالعلاج الجذري: إقامة دولة الإسلام التي تطبق نظاماً اقتصادياً شرعياً قادراً على تحقيق الكفاية والعدالة.

 

وإننا في حزب التحرير، ندعو الأمة إلى أن تعيد النظر في مسارات النظام المهلكة، وأن تعمل معنا لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، الدولة التي تطرد صندوق النقد الدولي وكل مؤسسات الكفر من بلادنا، وتحكم بالإسلام، فتعيد العدل، وتبني القوة، وتحفظ الكرامة، وتقطع يد المستعمرين عن أرض الكنانة إلى الأبد. فهل أنتم له مناصرون؟

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سعيد فضل

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع