الأربعاء، 11 ربيع الأول 1447هـ| 2025/09/03م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الإبادة الجماعية السودانية: دور عمر البشير

 

(مترجم)

 

بينما يعرف العالم الكثير عن الإبادة الجماعية التي يعاني منها أهلنا في فلسطين، إلا أن ما يُعرف أو يُتداول عن معاناة أهل السودان خلال الثمانية عشر شهراً الماضية من إبادة جماعية صامتة أقل بكثير. لقد أودت هذه الفظاعة بحياة أكثر من 15,000 شخص، وشردت أكثر من 10 ملايين، وتركت نصف السكان - 25 مليون شخص - يواجهون انعدام الأمن الغذائي والجوع.

 

ما لا يُعرف عنه الكثير هو أن هذه الإبادة الجماعية تنبع من الصراع المستمر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. ومع ذلك، لم تبدأ مشاكل السودان في عام 2023، بل منذ عام 1956، عندما نالت البلاد استقلالها عن الحكم البريطاني المصري. ومنذ ذلك الحين، شهد السودان سبعة انقلابات عسكرية، كان من أهمها ما حدث عام 1989، والذي أوصل عمر البشير إلى السلطة، والذي حكم كديكتاتور لثلاثة عقود.

 

بعد 30 عاماً من الظلم، نجح الشعب السوداني أخيراً في عزل البشير واحتفل بحريته الجديدة؛ الحرية التي سرعان ما انتزعها منه عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، ومحمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع. وقد اكتسب الرجلان نفوذاً وثروة طائلة في ظل نظام البشير.

 

قبل انقلاب عام 1989 الذي جعل عمر البشير حاكماً للسودان، كانت البلاد غارقة في حربها الأهلية الثانية مع الجيش الشعبي لتحرير السودان، بقيادة جون قرنق. وكثيراً ما يُتهم قرنق بالعمل كوكيل لأمريكا، ساعياً لتحقيق مصالحها لتقسيم السودان لتحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية. وتُوجت هذه الجهود باتفاقية نيفاشا عام 2005، التي وقّعها البشير وقرنق، والتي مهدت الطريق لاستقلال جنوب السودان.

 

تجدر الإشارة إلى أن جنوب السودان يمتلك احتياطيات نفطية هائلة، ما دفع الولايات المتحدة إلى استثمار أكثر من 1.2 مليار دولار في هذا البلد الناشئ، تحت شعاري "بناء السلام" و"الحوكمة الرشيدة"، في الوقت الذي كانت تتنافس فيه مع الصين على الهيمنة الإقليمية.

 

في الوقت نفسه، كان اقتصاد السودان ينهار. حيث فقد رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي الدعم الشعبي، حين واجه الناس المجاعة والتشرد وأزمة ديون محلية وتضخماً مفرطاً تجاوز 70%، تفاقمت جميعها بسبب انهيار العملة الذي جعل الناس غير قادرين على تحمل تكاليف الضروريات الأساسية.

 

وقد هيأت هذه الظروف أرضاً خصبة للبشير - بدعم من الجبهة الإسلامية القومية، التي تحالفت مع السعودية والولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي؛ لتنفيذ انقلاب سلمي في 30 حزيران/يونيو 1989. وعند توليه السلطة، حل البشير البرلمان، وأعلن نفسه رئيساً للدولة، ورئيساً للوزراء، ووزيراً للدفاع، وفرض أحكاماً صارمة من "الشريعة الإسلامية".

 

وبصفته القائد الجديد، سارع البشير إلى إحاطة نفسه بحماة مخلصين، أبرزهم القوات المسلحة السودانية، التي ترقى فيها عبد الفتاح البرهان ليصبح المفتش العام. وكان دور البرهان ضمان أمن البشير وقمع أي معارضة.

 

على الرغم من الوعد بالازدهار، سارعت حكومة البشير إلى قمع الأقليات. وشهدت سنوات التسعينات من القرن الماضي، التي غالباً ما تُسمى "سنوات الإرهاب"، ظهور بيوت الأشباح؛ وهي مراكز احتجاز سرية حيث تعرض المعارضون بمن فيهم المثقفون والشيوعيون وضباط الجيش للتعذيب. كما بدأت عمليات الجلد والإعدام العلني، بما في ذلك إعدام ثلاثة رجال لحيازتهم دولارات أمريكية، ما أثار موجة من الخوف بين السكان.

 

كما فرض البشير تفسيرات متشددة للشريعة الإسلامية، مثل قطع يد السارق، حتى عندما كانت السرقة بدافع الجوع أو الفقر. ومع ذلك، فبموجب الفقه الإسلامي الصحيح، تُعلّق هذه العقوبات في أوقات المجاعة أو الشدة، كما جسّده الخليفة عمر بن الخطاب، الذي رفض تطبيق هذه العقوبة أثناء المجاعة. في غضون ذلك، اختلس البشير ونظامه مليارات الدولارات، حيث عُثر على 90 مليون دولار في منزله بعد إقالته عام 2019، ما يُسلّط الضوء على تطبيقه الانتقائي للشريعة الإسلامية.

 

وعلى الرغم من أساليبه الوحشية، اندلعت حروب أهلية وتمردات. ففي جنوب السودان، اندلعت الحرب الأهلية الثانية بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان، مخلفةً أكثر من مليوني قتيل، معظمهم من المدنيين. وخاضت القوات المسلحة السودانية هذه الحرب إلى حد كبير، حيث لعب البرهان دوراً رئيسياً في العمليات العسكرية.

 

في غضون ذلك، في غرب السودان، ثار إقليم دارفور الذي أهملته الخرطوم لفترة طويلة. وبدلاً من نشر القوات المسلحة السودانية، استأجر البشير مليشيات الجنجويد، بما في ذلك حميدتي، لقمع الانتفاضة بوحشية. فكانت هذه بداية الإبادة الجماعية في دارفور.

 

شنّت مليشيا الجنجويد، المعروفة بقسوتها، حملة تطهير عرقي. فقد قُتل أكثر من 300 ألف شخص، وشُرد 2.5 مليون شخص، واغتصبت النساء، وأُعدم الرجال، وتعرض الأطفال للإساءة. وعُوِّض حميدتي وقواته من خلال مناجم الذهب في دارفور، ما جعل تهجير السكان المحليين ليس هدفاً عسكرياً فحسب، بل هدفاً اقتصادياً أيضاً. فما هي "مكافأتهم" على هذه الإبادة الجماعية؟ اعتراف رسمي من الحكومة السودانية، وإعادة تسميتها بقوات الدعم السريع!

 

ومع إثراء البشير لنفسه واحتفالاته، استمر السكان في الجوع، وتفكك الاقتصاد. ومع استقلال جنوب السودان، فقد السودان معظم ثروته النفطية. وأظهرت مراجعة للميزانية الوطنية أن 70% من النفقات ذهبت إلى الجيش، ولم يتبقَّ سوى القليل للرعاية الصحية أو التعليم أو الأمن الغذائي.

 

وإذا أضفنا إلى ذلك عقوداً من الفساد، والثروات المسروقة، والديون المتضخمة، والتضخم الساحق، فإن الشعب السوداني تُرك ليعاني كابوساً دام ثلاثة عقود. ولكن ما إن ظنّوا أن الأمور قد انتهت، وانبعث الأمل بعد إقالة البشير، حتى تدخل أتباعه لملء الفراغ؛ البرهان وحميدتي، الرجلان اللذان مكّنهما حكمه، ويشنّان الآن حرباً ضد بعضهما البعض بينما السودان ينزف.

 

#أزمة_السودان                    #SudanCrisis

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أمة الله حشمي

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع