- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السودان بين الانهيار والتفكيك: قراءة في المشهد الراهن
في ظل تصاعد الأزمات المتلاحقة في السودان؛ من انهيار البنية الصحية إلى تفاقم النزاعات المسلحة، يلوح في الأفق مشهد أكثر قتامة، تُرسم ملامحه في غرف السياسة الدولية وتُنفذ أدواته محلياً. لكن الحقيقة أن ما يحدث هو تنفيذ ممنهج لمخطط استعماري يهدف إلى تفكيك السودان، ونهب ثرواته، وإبعاده عن مشروع الإسلام السياسي، في إطار إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالح القوى الغربية.
الانهيار الصحي ليس مجرد نتيجة للإهمال، بل هو سياسة متعمدة لإضعاف قدرة أهل السودان على المقاومة. فالمستشفيات تُقصف، والمساعدات تُسيّس، والأوبئة تُترك لتنتشر وتفتك بالملايين، في ظل غياب تام لأي خطة أو رؤية مستقلة. وأزمة سد النهضة تُدار بطريقة تضمن بقاء السودان رهينة لمصالح يهود بإشراف أمريكي مباشر، دون اعتبار لسيادة البلاد أو أمنها المائي. أما الحروب الداخلية، فهي تُغذى بالسلاح والتمويل، وتُدار عبر وكلاء محليين، بهدف إنهاك الجيش وتفكيك النسيج المجتمعي، بما يفتح الباب أمام التدخل الدولي تحت ذرائع إنسانية.
السودان اليوم لا يُدار من مركز سيادي، بل من مراكز نفوذ متصارعة: الجيش، قوات الدعم السريع، الحركات المسلحة، وكلها تتلقى دعماً خارجياً. هذا التعدد ليس عشوائياً، بل هو جزء من خطة "الفوضى المنظمة" التي تُستخدم لتبرير التدخل الدولي لاحقاً، تحت شعار "حماية المدنيين" أو "إعادة بناء الدولة"، بينما الهدف الحقيقي هو إعادة تشكيل السودان بما يتماشى مع مصالح الاستعمار الجديد.
نظام عمر البشير، رغم شعاراته الإسلامية، كان جزءاً من المنظومة الدولية، حيث كانت العقوبات الأمريكية عصا غليظة، ثم سعى لتطبيع العلاقات مع الغرب وكيان يهود. وترك خلفه دولة منهكة، مليئة بالحركات المسلحة، ومخترقة أمنياً، ما سهّل على القوى الاستعمارية إعادة هندسة المشهد السياسي بعد سقوطه. ومن أبرز أدواته التي أسسها كانت قوات الدعم السريع، التي نشأت كقوة موازية للجيش، ثم تحولت إلى لاعب مستقل في الصراع، وهو ما فتح الباب أمام عسكرة المجتمع وتفتيت المؤسسة العسكرية.
البرهان سار على النهج ذاته، بل عمّقه، عبر تسليح مليشيات جديدة تحت مسميات مثل "المقاومة الشعبية" و"كتائب العمل الخاص"، كما دعم تشكيل قوات "درع الجزيرة" بقيادة أبو عاقلة كيكل، والتي تقاتل إلى جانب الجيش في ولاية الجزيرة وغيرها، وقد كشفت تقارير أن البرهان وزّع السلاح على المدنيين بشكل عشوائي، وأعلن ذلك صراحة في تصريحات موثقة، ما أدى إلى اشتباكات دموية في قرى الجزيرة، وفتح الباب أمام حرب أهلية واسعة النطاق هذه السياسات لا تختلف في جوهرها عن سياسات النظام السابق، بل تُنفذ المخطط الاستعماري ذاته، مع اختلاف في الأدوات والوجوه.
السودان يتجه نحو تفكيك ممنهج، تُديره أمريكا، وتُنفذه أدوات محلية. الثروات تُنهب عبر اتفاقيات مشبوهة مع شركات أجنبية، وتُمنح امتيازات لا يحصل عليها أهل البلاد، لذلك فإن الحل الجذري من وجهة النظر الشرعية، لا يكمن في ترقيع النظام أو استبدال وجوه بوجوه أخرى، بل في اقتلاع المنظومة الاستعمارية من جذورها، عبر إقامة دولة الخلافة الراشدة التي توحد المسلمين وتقطع يد الاستعمار من بلادهم، وإلغاء الاتفاقيات الدولية التي تُكرّس التبعية وتنهب الثروات، وإعادة بناء الجيش على عقيدة الإسلام لا على عقيدة الولاء للغرب، وتحرير القرار السياسي من الهيمنة الدولية، وإعادة السيادة للشرع، لا للأرض أو الشعب، وفق أحكام الإسلام.
إن المشهد السوداني ليس مجرد أزمة داخلية، بل هو حلقة في مشروع استعماري عالمي يستهدف الأمة الإسلامية. وواجب الأمة، كما يراه الشرع، أن تُفشل هذا المشروع، وتعيد بناء السودان كجزء من دولة الإسلام الجامعة، لا ككيان مفكك تابع للغرب.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حاتم العطار – ولاية مصر