- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
صناعة المليشيات: الوجه الظاهر والباطن في أجواء الحرب
في ظل الحرب التي تعصف بالسودان، برزت ظاهرة صناعة المليشيات كأحد أخطر الأدوات التي تُستخدم تحت غطاء الدعم العسكري، بينما تحمل في طياتها بذور التفكيك والانقسام الوطني. هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد لنهج سابق تم تطبيقه مع قوات الدعم السريع، التي بدأت كقوة مساندة ثم تحولت إلى قوة موازية، وانتهت بالتمرد على الدولة.
أولاً: المليشيات التابعة والمساندة للجيش – خارطة القوة خارج القانون
في السنوات الأخيرة، ظهرت عدة تشكيلات عسكرية غير نظامية، تحمل أسماء مختلفة، وتُمنح رتباً ونياشين دون المرور عبر القنوات الرسمية للقوات المسلحة السودانية. من أبرز هذه التشكيلات: قوات درع الوطن، قوات الكرامة، كتائب الحسم، قوات المجاهدين الجدد، قوات الدعم المدني، قوات الحماية الخاصة. وكل هذه المليشيات تُدار بشكل منفصل، وتُمنح امتيازات ورتب عسكرية دون خضوعها لقانون القوات المسلحة، ما يُعد خرقاً واضحاً للتراتبية والانضباط العسكري، ويُهدد وحدة القرار القتالي.
تركيبة المليشيات المتحالفة مع الجيش – واقع ميداني مفصل
إلى جانب هذه التشكيلات، برزت خلال النزاع الأخير مليشيات جديدة أكثر تنظيماً وتأثيراً، أبرزها:
1- لواء البراء بن مالك: نشأ ضمن قوات الدفاع الشعبي خلال حرب الجنوب، وأعاد تنظيم صفوفه بعد انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021. وقد تضخم عدد مقاتليه إلى أكثر من 21 ألف فرد. وحصل أفراده على رتب ونياشين دون المرور بالإجراءات العسكرية الرسمية. ويتبنى خطاباً عقائدياً يعتبر القتال ضد قوات الدعم السريع "حرباً ضد الكفر".
2- درع السودان بقيادة أبو عاقلة كيكل، ظهر خلال الحرب الأخيرة، وارتكب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، منها الحرق والنهب والاعتقالات. وهو يعمل تحت مظلة قبلية وعقدية، ويدّعي دعم الجيش.
3- القوات المشتركة: وتضم عناصر من الإدارات الأهلية والقبائل المتحالفة مع الجيش. وقد تورطت في عمليات تجنيد الأطفال وانتهاكات حقوق الإنسان.
4- حركة تحرير الجزيرة: تأسست كرد فعل على احتلال قوات الدعم السريع لأرض الجزيرة. ورغم دعمها للجيش، إلا أنها لا تملك سنداً قانونياً واضحاً، وتُعتبر مليشيا وفقاً للدستور السوداني.
الرتب والنياشين خارج القانون:
منح الرتب العسكرية والنياشين لهذه المليشيات تم خارج إطار القانون العسكري السوداني، ما أثار جدلاً واسعاً حول شرعية هذه القوات، وتأثيرها على تكوين جيش موحد ومنضبط، وأعاد إلى الأذهان تجربة قوات الدعم السريع التي انتهت بالتمرد.
مصادر تمويل هذه المليشيات:
- تمويل داخلي غير معلن: عبر شبكات اقتصادية موازية وشركات أمنية خاصة.
- دعم خارجي: من دول إقليمية تسعى لترسيخ نفوذها عبر وكلاء محليين.
- نهب الموارد المحلية: الذهب، النفط، الزراعة، تُستخدم كأدوات تمويل ذاتي.
- تمكين سياسي مقابل الولاء: تُمنح امتيازات مالية ومناصب مقابل دعم القيادة العسكرية.
ثانياً: إعادة إنتاج سيناريو قوات الدعم السريع – التمكين فالتمرد
ما يحدث اليوم يُعيد إلى الأذهان تجربة قوات الدعم السريع، التي تم تمكينها مالياً وعسكرياً، ثم تحولت إلى قوة مستقلة ذات قيادة خاصة، وانتهت بالتمرد. هذا النموذج يُنذر بأن المليشيات الجديدة قد تسلك المسار نفسه، خاصة في ظل غياب الرقابة القانونية والمؤسسية.
ثالثاً: خطورة صناعة المليشيات على مستقبل الدولة
- تفكيك وحدة القرار العسكري
- إضعاف هيبة الدولة
- تهديد الأمن الداخلي بعد الحرب
وكلها نتائج مباشرة لتعدد القوى المسلحة خارج إطار الدولة، ما يُهدد وحدة السودان ويُضعف مؤسساته.
رابعاً: الحكم الشرعي في المحافظة على وحدة البلاد
من منظور شرعي، فإن المحافظة على وحدة البلاد واجب شرعي، لما فيه من حفظ للدماء، وصيانة للأعراض، وتحقيق لمقاصد الشريعة. قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾.
وقد قرر العلماء أن وحدة المسلمين في كيان سياسي واحد هو فرض شرعي، لا مجرد خيار سياسي. قال النبي ﷺ: «...فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» صحيح مسلم
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حاتم العطار – ولاية مصر