- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تحريك أصحاب الهمم للقيام بواجبهم
قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، فهذا البيان الإلهي يؤكد أن الإسلام ليس مجرد موعظة روحية، بل هو نظام شامل للحياة، جاء بعقيدة راسخة تُقنع العقل وتملأ القلب طمأنينة، وبأحكام تنظم حياة الإنسان في جميع شؤونها: في الحكم، والاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، والتعليم والعلاقات الدولية... إنه دين حق، لأنه من عند الله، وقد بني على أساس متين، هو العقيدة الإسلامية التي ينبثق منها النظام، فيكون ارتباط الإنسان به ارتباطاً فكرياً عن قناعة، لا تقليداً ولا عاطفة، فهو يوافق الفطرة السليمة ويخاطب العقل، ولذلك فإن من آمن به إيماناً واعياً لا يملك إلا أن يحمله ويدعو إليه ويجاهد في سبيل إظهاره وتطبيقه، فحمل الإسلام واجب شرعي، وفرضٌ عظيم، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾، فهل اتبعنا ما أمرنا الله به، لا سيما وأننا نذرنا أنفسنا لحمل أمانة عظيمة وتغيير هذا الواقع الجائر بإقامة الخلافة الراشدة؟
أيها الإخوة: إننا نحمل أمانة عظيمة، هي أمانة الدعوة، أمانة حمل الإسلام لإقامة الدين في واقع الحياة، وهي أمانة الرسل، وميراث نبينا وحبيبنا محمد ﷺ، وإن الله سائلنا عمّا استرعانا، فلنعمل ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. نعم أيها الإخوة، اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل؛ اليوم نُسأل: هل بلّغنا رسالة ربنا؟ هل سلكنا طريق التغيير الشرعي كما أمرنا الله؟ هل ثبتنا على المبدأ دون مداهنة أو تراجع؟ فكل شيء فانٍ، والملك كله زائل، والسلطان إلى زوال. ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾.
أيها الكرام: ما ظنكم بالموقف يوم الحشر؟! ذلك الموقف المهيب، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وتذهل النفوس وتبكي العيون، إنه موقف كرب وذل وفزع عظيم، لا يُنجي منه إلا عمل خالص موافق لأمر الله. قال رسول الله ﷺ: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ».
فيا حملة الدعوة، يا من رضي الله لكم أن تكونوا جنوده في الأرض: اعملوا العمل الصالح الصائب، كما طلبه الله لا كما تراه الأهواء أو تمليه المصالح. اثبتوا على الطريق، أخلصوا النية، وتمسكوا بالفكرة والطريقة، واصبروا كما صبر أولو العزم من الرسل.
فلنكن أيها الإخوة من الذين يتركون أثراً لا يُمحى، من الذين يسطرون بدمائهم وكلماتهم طريق الخلافة والنصر، فإن هذا الدرب، وإن طال، هو درب العزة والخلود، فلنشد العزم، ونتجهز ليوم العرض الأكبر، فالدعوة تنادي، والنصر يقترب، والأمة تنتظر منا الكثير.
أيها الإخوة، يا حملة الدعوة: استمعوا لما ورد في الأثر عن أبي ذر: "جدد السفينة فإن البحر عميق، وأكثر الزاد فإن السفر طويل، وأخلص العمل فإن الناقد بصير، وخفف الحمل فإن العقبة كؤود"، نعم، فالبحر عميق، والفتن تموج، والناس تتخبط، ولكن أنتم على نور من ربكم، فاجعلوا سفينتكم متينة مشدودة بحبال الإيمان، ولا تحملوها إلا العمل الخالص، فالميزان دقيق، والناقد بصير.
لنكن من أصحاب الهمم العالية، لا نرضى بالدون، ولا نساوم على الحق، ولا نركن للراحة، فصاحب الهمة هو من باع نفسه لله ليقيم دينه، يرى في الخلافة وعداً من الله لا شك فيه، ويعلم أن النصر مع الصبر، وأن العاقبة للمتقين.
قال الله تعالى: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ فمن نصره الله فلا غالب له، ومن خذله الله فأنّى له الفوز؟! إن أمامنا أمة تتطلع للتغيير، أمامنا دماء في غزة تنادي، وصرخات من المسجد الأقصى تستغيث، وخيانة تطوق البلاد من كل جهة، فهل قمنا للحق، فصرخنا في وجه الباطل، وتحركنا لنصرة دين الله؟! فلنتذكر قول الحسن البصري: "الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما الغد فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه". نعم اليوم هو يومنا، فلنعمل فيه، ولنغتنم ما بقي من أعمارنا، فلنعمل فإننا على طريق نبينا، وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
أيها الإخوة يا حملة الدعوة: نعم، دعوتنا بيضاء نقية كفلق الصبح، لا يشوبها غبش، ولا تعتريها شوائب، دعوتنا لا تقوم على عصبية، ولا تربطها روابط النسب أو المصلحة أو الجغرافيا أو المصالح الدنيوية، بل رابطتنا هي العقيدة، ومبدؤنا هو الإسلام، ومنطلقنا هو رضا الله سبحانه وحده لا شريك له. «كُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً» هذه وصية رسولنا ﷺ، ونحن نرجو أن نكون ممن تحقق فيهم هذا المعنى، فآخى الإسلام بين الأنصار والمهاجرين، وكانوا من أعظم النماذج للتضحية والإيثار.
أيها الإخوة: إن حمل الدعوة ليس وظيفة أو ترفاً فكرياً، بل هو عمل الأنبياء والرسل، ووراثة طريقهم، وسير على خطاهم، فهو شرف عظيم ومسؤولية جسيمة. قال رسول الله ﷺ: «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»، فكم من الناس اليوم يحتاجون للهداية؟ وكم من المظلومين ينتظرون الفرج على أيدينا؟! فهل نرضى أن نعيش بلا غاية؟ أن نكون رقماً زائداً في الحياة؟! أن تمر أعمارنا ونُسأل: ماذا أنجزنا لديننا وأمتنا؟!
كلا والله، فلنكن من السابقين، من المبادرين، من الذين يتركون الأثر لا الأنين، ويبنون لا ينتظرون.
قال تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾، فهي طريق واضحة، على بصيرة، لا غموض فيها ولا ريبة، دعوة إلى إقامة الدين، وتحقيق وعد الله سبحانه بخلافة على منهاج النبوة.
أيها الإخوة: لسنا ممن يعيش ليأكل ويشرب فقط، بل نحن أمة رسالة، أمة قيادة، أمة هداية. فلنختر أن نكون كعمر وسعد وصلاح الدين وخالد... رجال غيروا مجرى التاريخ، تركوا بصماتهم نوراً، وسيرتهم عطراً، وأثرهم شاهداً.
فيا من تسمع هذه الكلمات، سارع إلى مغفرة من ربك ولا تلتفت إلى المثبطين، ولا تنشغل بالناعقين، بل كن شعلة أمل، ونور هداية، ولبنة في صرح الإسلام العظيم. فقد قال رسول الله ﷺ: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (رواه مسلم). وهذا الحديث يذكّرنا بأن ما يبقى للإنسان بعد موته هو ما قدّمه في حياته من أثرٍ نافع وأعمالٍ صالحة، فالدنيا مزرعة للآخرة، وما نغرسه اليوم نحصد ثمرته غداً. فلنسعَ أن نكون ممن يتركون علماً نافعاً في الأمة، ودعوةً مباركة تنتفع بها الأجيال، وذرية صالحة تواصل طريق الحق، فهذا هو الاستثمار الحقيقي الذي لا يخسر أبداً.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعلنا من الذين يستجيبون لدعوتك، ويعملون لإقامة دينك، ويثبتون حتى يروا النصر بأعينهم أو يلقوك وأنت عنهم راضٍ. آمين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المحمود العامري – ولاية اليمن



