الجمعة، 10 شوال 1445هـ| 2024/04/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المخدرات ومنظومة الأمراض المزمنة لمبدأ النظام الرأسمالي

 

انتظمت حملة القضاء على المخدرات التي أعلنت عنها المؤسسة العسكرية في السودان في كانون الثاني/يناير 2023م، للقضاء على ظاهرة المخدرات التي انتشرت في الآونة الأخيرة، فقد انتشرت المخدرات وعمت كل شرائح المجتمع من مروجين ومستهلكين، وقد أفرزت المخدرات واقعا سيئاً أدى إلى تدمير بعض الأسر، وكثير من الشباب، وتعدى الأمر إلى ارتكاب جرائم بشعة داخل الأسر، وفي الشارع العام، فأصبحت بذاءة اللسان وتعنيف الأب والأم من الأولاد سمة جديدة في السودان!

 

لقد تنوعت المخدرات بعدما كان هناك نوع واحد منها الذي يعرف بالحشيش، ويزرع في جنوب دارفور في منطقة الردوم، لكن في الآونة الأخيرة ظهرت أنواع جديدة؛ مخدرات كيميائية كالآيس والكوكايين والخرشة والمورفين، لقد بلغت الجرأة بمروجي المخدرات أن أصبحت تباع علنا في الأسواق تسمى بأسماء غريبة، فمثلا في نيالا نجد سوق (كولومبيا) وهو مجمع صغير من بائعات الشاي، يجتمع حولهن أصحاب المخدرات مشكلين سوقا مبسطا كلٌ على هواه، وفي السوق الشعبي بمدينة نيالا نجد اسما آخر وهو (سوق القيامة) للمخدرات!

 

لم يعرف الناس منذ عقود خلت مثل هذه الظواهر التي أطلت على أهل السودان، فالناس تسمع بالمخدرات على مستوى العالم، وبأن المخدرات لها مجموعات متخصصة تجول وتصول في العالم، (أمريكا اللاتينية والشمالية وأوروبا وبعض دول آسيا)، فكان الأمر غريبا في مجتمعات المسلمين عموماً، فمن الذي سمح بدخول وترويج المخدرات فأصبحت تجارتها مكشوفة لدرجة تستدعي الجيش للتدخل بدلاً عن الشرطة المناط بها حفظ الأمن الداخلي والسلامة من الانحراف الكبير؟

 

إن واقع المخدرات لا يخرج عن إطار مبدأ النظام الرأسمالي الذي يتحكم في العالم بأنظمته الفاسدة، في الحكم والاقتصاد والنظام الاجتماعي وغيرها. إن فلسفة المبدأ الرأسمالي في مفهومه للاقتصاد بأن كل شيء له منفعة وله مريدون - أي راغبون - وله قيمة اقتصادية، فلا حرج في ذلك، فالمبدأ الرأسمالي العلماني يشكل عبئا على الحياة، حيث تتمثل أمراضه في ثالوث قاتل، هو: العجز في ميزانية الدول والتضخم، والجريمة، والمخدرات.

 

ثم إن النظام الرأسمالي ينظر إلى فكرة السعادة بأنها إعطاء أكبر قدر من المتع الجسدية للفرد، لذلك نجد أن الإنسان حر في تصرفاته، فهي التي تحقق له السعادة على حد زعمهم. ويجب على الدولة أن تقف معه وتحميه وتدافع عنه باعتبار كل حريته مقدسة، وهو حر في استخدامه للأشياء ما دامت تحقق له منفعة، فلم نسمع يوما بأن دولة غربية قد أحرزت تقدما في محاربة المخدرات، بل العكس؛ زاد التصنيع والاستخدام الشخصي، بل ترفع أحيانا المخدرات في شكل ماركات تجارية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالمغني المشهور بوب مارلي له صورة توضع في السيارات ممسكاً بسيجارة حشيش ضخمة فيقلده الشباب في طريقة شعره وتعاطيه لذلك المخدر.

 

لقد غزت المخدرات المصنعة بلاد المسلمين بشكل متسارع، ولكن الأمر فيه دخن، بغرض تدمير البلد المسلم والأسرة المسلمة وخاصة شريحة الشباب. فالفكرة أن هذا المجتمع ذو قيم راقية، وفيه نسبة عالية من الشباب يحملون عقيدة الإسلام، فيرى المبدأ الرأسمالي خطراً عليه بأنه يمثل تهديدا حقيقيا له وزواله من الوجود، هذا القول نادى به المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ" صفحة 61 عندما مجد الديمقرطية وقال "رغم أن الحكم العام حول الأيديولوجيات المنافسة للديمقراطية فالإسلام يشكل أيديولوجية متجانسة ومنظمة، مثله في ذلك مثل الديمقراطية والشيوعية"، رغم هذا القول نقول إن الإسلام أرقى مبدأ وفكرا من الأيديولوجيات الأخرى.

 

لهذا أصبحت المخدرات وسيلة من وسائل المبدأ الرأسمالي لتدمير المجتمعات، وإغراقها بالأمراض المجتمعية القاتلة، مثل الاكتئاب والقلق والحالات النفسية المفضية إلى الانتحار، ثم تعطيل المجتمع عن العمل وخروج أكبر عدد من فئة الشباب عن الإنتاج، ثم صرفه عن قضاياه الرئيسة المصيرية، لينحدر إلى هوة الانحلال والفوضى ليصبح المجتمع بلا هوية ولا قضية.

 

لقد نجح الغرب في دس سمه بلا دسم بشكل علني بعدما أغرق المجتمع في الفقر والصراعات القبلية وانتشار السلاح وظلت بلاد المسلمين في دوامة من المخططات، تتسع رقعتها شيئا فشيئا لتكمل دوائر أمراضه على الناس وعلى رأسها العجز في ميزانيات الدول والتضخم، والجريمة والمخدرات ليتحكم هذا المبدأ الفاسد في رقاب المجتمعات ليمرر ما يريد من سمومه الفاسدة القاتلة ليسود كما تصور ذلك.

 

فاليوم بعدما انتشر السم في الجسد بدأت السلطات تقوم بعملية محاربة للمخدرات بعد ضبط كمية من المخدرات وأخرى لم تضبط.

 

أورد موقع الجزيرة نت نقلا عن الصحف المحلية أن آخر ما جرى ضبطه نحو 17 طنا من الحشيش اللبناني، والحبوب المخدرة (الكابيتول)، تقول السلطات الأمنية إنها أفلحت في قبضه بالقرب من مدينة عطبرة. وغيرها من التقارير الأخرى. وبعدما فقدت عدد من الأسر فلذات أكبادها بسبب تعاطي المخدرات، وانتشارها في الجامعات، والآثار التي ترتبت عليها من التأثيرات الصحية والأمراض العضوية والنفسية، بدأت السلطات بحملات تفتيش ومداهمة بغرض القضاء على المخدرات، مع العلم بأن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1994 المادتان 15 و16 تقولان بأن عقوبة مروجي المخدرات الإعدام أو السجن المؤبد. أما متعاطي المخدرات فعقوبته تتفاوت بناء على واقعه.

 

إن الناظر إلى هذه الحلول يرى أنها ناجعة، لكنها لا تطبق بسبب التقاطعات الكثيرة التي تقع فيها الدولة بناء على نظرتها للحياة أنها قائمة على أساس المنفعة وهي الأساس في كل شيء، فتجري عمليات تفويت العقوبات قبل أن تصل إلى مراحلها النهائية، بل أحيانا قبل التقاضي. إن الحلول المتبعة هي للأسف لا ترقى للقضاء على ظاهرة المخدرات بل مأخوذة من جنس مبدأ الفكر الرأسمالي الذي يقول إن لكل شيء منفعة، وله قيمة اقتصادية يعمل به ما دام هناك راغب، ويرون أن الأصل أن تنشر المخدرات في العالم، وهذا واضح للعيان، فقد ظلت مزارع الردوم باقية لعشرات السنين، فقط تقوم الحملة السنوية القادمة من الخرطوم، لتخفف من الكميات، وتبث صوراً للمجتمع بأن هناك دورا يلعب من أجل القضاء على المخدرات.

 

أما الإسلام فنظرته للمخدرات نظرة عميقة تتمثل في أن الفرد جزء من المجتمع، جزء أصيل كجزئية اليد من جسم الإنسان، فلا يستطيع الإنسان أن يتخلص من يده، لذلك يتم إصلاح الفرد بإصلاح المجتمع؛ أي إصلاح أفكاره ومشاعره والنظام الذي يحكمه. ثم وضع الإسلام نظاماً محكما للقضاء على المخدرات وسماها الأهداف العليا لصيانة المجتمع، لا تتأثر بالتغير ولا التطور، فهي ثابتة، أحكام حدية وعقوبات، فالمحافظة على عقل الإنسان والمحافظة على كرامته والمحافظة على نوع الإنسان وملكيته الفردية وأمنه والمحافظة على الدولة، كل هذا يجب المحافظة عليها من باب الالتزام بالشرع وتحقيق تقوى الله تعالى. جاء حديث النعمان بن بشير عند الترمذي في كتاب الفتن، الحديث الذي شبه فيه سيدنا محمد ﷺ المجتمع بركاب سفينة أرادوا أن يركبوا فيها فأجروا قرعة لوجود طابقين فيها. يقول رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْمُدْهِنِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيَصُبُّونَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا لَا نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا فَإِنَّا نَنْقُبُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعاً وَإِنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعاً».

 

رغم أن تطبيق الأهداف العليا لصيانة المجتمع تحقق منفعة كبرى للمجتمع إلا أن المسلم لا ينظر إليها من باب المصلحة بل من باب تقوى الله تعالى.

 

إن قضية المخدرات لا تصح في أمر معالجتها طريقة الترقيع وفق منهج النظام الرأسمالي الفاسد، فالفكرة الفاسدة لا يمكن معالجتها إلا على أساس ضرب الفكرة التي تقول بأن المخدرات لها قيمة اقتصادية، فلا تجوز معالجة الباطل بالترقيع، بل بضرب الفكرة من جذورها، وذلك بمبدأ الإسلام العظيم الذي يحقق استقراراً فكرياً لكل أنظمة الحياة من معاجلة مشكلة الفقر وفق رؤية الإسلام للاقتصاد بأن الفقر فقر أفراد وليس فقر دولة، وجعل مصادر الدولة الملكية العامة لتوزيعها على الناس في شكل خدمات، ثم الاعتماد على قاعدة الذهب والفضة لمعالجة مشكلة التضخم. كل ذلك لتتوفر المعالجات للحاجات الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن لكل أفراد الرعية دون تمييز لا في اللون ولا في الدين ولا في المنطقة. عندها تسد كل الذرائع ويتحقق مجتمع راق معافى من كل الأمراض من اكئتاب وحالات نفسية وجوع وغيرها، ولا يتم ذلك إلا بتطبيق الإسلام على حياة الناس في دولة حدد طريقتها وهرمها الإسلام العظيم، هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. لماذا الخلافة ولم نقل دولة وطنية في لباس مدني أو عسكري؟ لأن الدولة الوطنية صنعها المستعمر عبر اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 بعدما هدم صرح الإسلام الخلافة التي كانت توحد المسلمين وتطبق فيهم الإسلام. لا نتحدث عن دولة الخلافة الأولى للمسلمين الخلافة الراشدة ولا نتحدث عن الدولة الأموية ولا العثمانية، بل نتحدث عن نظام حكم في الإسلام حدده الإسلام بأدلة تفصيلية من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة. ثم إن الدولة الوطنية يستحيل أن تطبق فيها أحكام الإسلام لوجود تعارض جوهري في تكوين الدولة الوطنية مع أحكام الإسلام العظيم. فالدولة الوطنية تؤمن بميثاق روما وهو أساس منظمة الأمم المتحدة الذي صمم أصلا لمحاربة الإسلام كدين ودولة، لذلك تتعارض مادة المخدرات والمؤثرات العقلية في القانون السوداني كعقوبة حدية وهي الإعدام مع ميثاق روما، وغيرها. لذلك فإن الخلافة هي التي تمنع كل هذه الفوضى وتؤسس للناس ما أمكنها حياة خالية من الأمراض. وعبرها يعرف الناس خطورة المبدأ الرأسمالي الذي لا يضع للمجتمع قيمة إلا لأصحاب رؤوس الأموال والنافذين في الحكم، ذلك الحكم المؤسس على فكرة المنفعة، فأصبحت الحياة تسير بوتيرة المبدأ الرأسمالي الفاسد. فلا بد أن يوضع حد لهذا المبدأ السقيم وإبعاده من حياة الناس بدلا من طريقة ترقيع المشاكل فتظل باقية ويظل مبدؤها باقيا فتشقى البشرية وتموت هلكى لا تعرف إلى أي مصير تذهب. فالقضية عظيمة لنشل البشرية مما هي عليه الآن وهذا الأمر يتطلب شحذ الهمم بأقصى طاقة وباقصى سرعة لإنقاذ العالم من فوضى النظام الرأسمالي وأمراضه. فالمخدرات نموذج واضح لخطورة الحياة التي نعيشها في ظل مبدأ النظام الرأسمالي العلماني الفاسد. وعودة الخلافة تخلق توازنا دوليا عظيما ليدرك العالم أنه في خطر مستطير عاشه العالم منذ القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا؛ مأساة تلو الأخرى لا تنتهي فصولها حتى تلحقها أختها.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الشيخ محمد السماني – ولاية السودان/ نيالا

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع