الإثنين، 09 رجب 1447هـ| 2025/12/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الإسلاميون: مقالة بعنوان "الضجة حول فصل الرجال عن النساء في بريطانيا"

  • نشر في مع الإعلام
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 900 مرات

 

 

25-12-2013

 

 

 


فوجئت الجالية المسلمة في بريطانيا بهجمة سياسية وإعلامية تستهدف الانفصال بين الرجال والنساء في المحاضرات التي تنظمها الجمعيات الإسلامية داخل الحرم الجامعي، وذلك حتى قبل أن يجف مداد الهجمة التي سبقتها على النقاب والتي شغلت الرأي العام في بريطانيا لأسابيع عدة وكان لها أصداء عبر العالم.

 

أشارت صحيفة الجارديان البريطانية (2013/12/13) لقرار جمعية نواب رئاسة الجامعات البريطانية بمراجعة التوجيهات التي قدمتها في وقت سابق بالسماح بجلوس الرجال والنساء منفصلين في الاجتماعات إذا طلب المحاضر ذلك شريطة أن يتم بالتراضي ولا يعترض عليه أيٌ من الحضور. سحبت رئاسة الجامعات هذه التوجيهات لحين التشاور مع لجنة المساواة وحقوق الإنسان حول الموقف المناسب، ومن المتوقع أن يتم إجبار الجمعية على التراجع بشكل دائم بعد موجة الاحتجاجات والمظاهرات التي صحبت إصدار هذه التوصيات.

 

لم تكن هذه الضجة الأولى من نوعها حول أمر فصل الرجال عن النساء فقد سبقتها حادثة مماثلة في شهر آذار/مارس من هذا العام على إثر انسحاب الفيزيائي لورانس كرازس من مناظرة مع داعية إسلامي حول الإلحاد والإسلام على خلفية احتجاجه على فصل النساء والرجال في الحضور. الجدير بالذكر أن البروفيسور كرازس معروف بعدائه الشديد للأديان خصوصاً الإسلام مما أدى ببعض المسلمين لاعتبار الأمر موقفًا فرديًّا. ولكن كلية لندن الملكية صعدت الموقف وقامت بحظر الجمعية المنظمة للمناظرة.

 

احتلت قضية الفصل بين الجنسين حيزاً كبيراً من النقاش في الساحة البريطانية بين الإعلاميين والسياسيين، من ضمنها تهديد وزير في حزب العمال المعارض بحظر أي انفصال في المحاضرات التي تتم في الجامعات فور وصولهم للحكم فتبع ذلك مباشرة تصريحات رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الذي وجه انتقادات لاذعة للجامعات البريطانية التي تسمح بفصل الشباب عن الفتيات خلال المحاضرات التي يلقيها "أساتذة متطرفون".

 

وقال في تصريحات له: "أنا واضح تماما بأنه لا يجب أن يكون هناك أي فصل بين الطلاب خلال المحاضرات التي يلقيها أساتذة زائرون للجامعات في بريطانيا". ودعا رئيس الوزراء البريطاني لحظر الفصل بين الجنسين حتى وإن كان برغبة الحضور. كما نوه المتحدث باسم رئيس الوزراء "أن كاميرون أكد أن الفصل قد يثير مشكلة أخرى وهي (التمييز)، فهناك مبدأ هام هنا بشأن حرية التعبير، وهناك تقليد قديم يحمي مؤسساتنا التعليمية ورئيس الوزراء يعتقد بأنه تقليد مهم جدا". إذنْ رئيس الوزراء يرى أن الفصل بين الرجال والنساء يؤدي للتمييز ويتعارض مع تقاليد قديمة تحفظ الحريات والمساواة! حقاً يندهش المرء من صدور هكذا تصريحات من السيد كاميرون خرّيج كلية "إيتون" وهي ثانوية عريقة للذكور فقط (أسست عام 1440 وتخرج منها 19 من رؤساء وزراء بريطانيين)، وهو عضو سابق في نادي "بولينجدون" في جامعة أكسفورد وهو نادٍ للذكور من الطبقة العليا ومعروف بتباهيه بالأجواء الذكورية (أسس عام 1780).

 

أضف إلى ذلك أن رئيس الوزراء البريطاني كان عضوًا في نادي "الوايتس" الشهير (أسس عام 1693) وهو كذلك نادٍ للرجال ويعد أعرق نادٍ في بريطانيا وكان والد كامرون مديراً له في السابق، ولم ينسحب كاميرون منه إلا عام 2008 عندما تسلم قيادة المحافظين ووجد حرجاً في عضويته في نادٍ يرفع شعار "لا للنساء". انسحب كاميرون من النادي ولم يحظره أو يغيره، ولا يزال ولي عهد بريطانيا وعدد من السياسيين والنبلاء أعضاء في نادي «وايتس»، فهو واحد من أعرق النوادي المخصصة للرجال في بريطانيا وأحد أصعب النوادي التي يمكن الانضمام إلى عضويتها، ويفخر النادي بأن كل رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على حكم بريطانيا كانوا أعضاء فيه. بالرغم من تغير نسيج الحياة الاجتماعية في بريطانيا فإن النادي لم يقبل في عضويته يوماً بأي امرأة، باستثناء واحدة هي ملكة بريطانيا .(بي بي سي 2010/5/12، الجارديان 2010/5/6، ميل أون لاين 2013/8/17، الحياة 2013/8/8).

 

نستنتج مما سبق أن الفصل بين الجنسين ليس أمراً مستحدثاً في المجتمع البريطاني ولم يجلبه المسلمون لبريطانيا لتغيير نسيج المجتمع، بل له وجود وارتباط بتقاليد عريقة لدى الطبقة الارستقراطية. الأسوأ من ذلك أنْ توجَّه حملةٌ للتنديد بجلوس الرجال منفصلين عن النساء في فعالية تنظمها الجمعية الإسلامية في الجامعة بينما تسكت الحكومة عن سياسة "لا للنساء" المتبعة في الكثير من النوادي العريقة في بريطانيا مثل نادي "ميورفيلد" الذي استضاف هذا العام بطولة الغولف المحدودة للمرة السادسة عشرة، وهو نادٍ يعتمد سياسة "للرجال فقط"، وبالرغم من التذمر الذي صاحب تنظيم الفعالية ومطالبة السياسيين للنادي بأن يطور نفسه ويواكب الحداثة لم يتم حظر النادي العريق ولم يتم نبذ رئيس الهيئة التي تُمثّل لعبة الغولف بيتر داوسون بعد أن أصر على رفض النساء في النادي معللاً: "الرجال يحتاجون إلى أن يتخالطوا اجتماعياً socialize مع الرجال، والنساء يحتجن إلى أن يتخالطن اجتماعياً مع النساء".

 

(الحياة 2013/8/8. إذنْ الفصل بين الرجال والنساء يأتي في ضمن تقاليد بريطانية عريقة وليس وليد اللحظة، كما أن تنظيم الفعاليات التي يتم فيها فصل الرجال والنساء ليس بجديد على المسلمين في بريطانيا، فما الذي أدى لهذه الضجة المفاجئة والاهتمام المتزايد حول الآثار السلبية لفصل الرجال عن النساء في الفعاليات الخاصة التي تنظمها الجمعيات الإسلامية في الجامعات، خصوصاً أن الجالية المسلمة لم تطالب بتطبيق هذا الحكم على المجتمع بأسره ولم يتجاوز الأمر فعالياتها؟! هناك تفاصيل وملابسات كثيرة لهذه الضجة تثير الاهتمام وتدعو للسخرية في آن واحد ولا مجال لسردها وتفصيلها هنا.

 

ولعل أبرزها قيام الجمعية المسماة بـ (student's rights) - حقوق الطلبة - بإثارة هذا الملف وهي جمعية تدّعي أنها مناهضة للتطرف وتدعو للمساواة وحفظ حقوق النساء، بينما في الحقيقة هي جمعية قائمة على العنصرية البغيضة وتسعى لمناهضة الإسلام ونشر الإسلاموفوبيا في الجامعات البريطانية متخفية وراء شعارات حقوق الطلاب ومستغلة قضية المساواة بين الجنسين. جمعية لا تضم أي طلاب أو نساء ويديرها رجلان من مكتب مشترك مع مركز أبحاث يميني متطرف!! أظهر التقرير المتلفز للقناة الرابعة في التلفزة البريطانية 2013/12/13 علاقة جمعية حقوق الطلاب مع الجماعة اليمينية المتطرفة "مؤسسة هنري جاكسون" وأنها تتلقى دعمًا ماديًّا من الأخيرة. قامت هذه المؤسسة بتصعيد القضية عبر إصدار تقرير عن فصل الجنسين في الفعاليات الإسلامية اتسم بالتهويل وافتقر لأسس الطرح العلمي وبني على فرضيات لا أساس لها.

 

ثم تبع هذا التقرير الهزيل حملة مناهضة لمقترحات رئاسة الجامعات والتنديد بخطر الفصل بين الرجال والنساء كونه يشكل تمييزاً وامتهاناً لحقوق المرأة، وتم تتويج هذه الحملة بمظاهرة صغيرة شاركت فيها عضوات جمعية نسوية تعمل في جنوب لندن بمساندة بعض الرجال والطلبة أمام مبنى رئاسة الجامعات البريطانية، حُملت فيها يافطات منددة بالفصل بين الجنسين في المحاضرات العامة التي ينظمها المسلمون داخل الجامعات. هذه الفعالية الضئيلة التي لم تمثل المجتمع الطلابي بأي شكل من الأشكال تم تضخيمها في الإعلام البريطاني وأخذت مركز الصدارة في ما يمكن أن يوصف بخداع بصري واستخفاف بعقول الناس. طرح أحادي متعصب يصور أن الانفصال امتهان للمرأة وتهميش لها بينما الاختلاط يمنحها شريان الحياة، حتى إن هذه الحملة رفعت شعار التنديد بما سمته بالتمييز على أساس النوع "الأبارثايد على أساس الجندر" مقارنة بين ما يجري من فصل بين الجنسين ونظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا وأمريكا في فترة نضال السود من أجل حقوقهم، مستحضرة نماذج مثل مانديلا وروزا بارك. لم تأتِ هذه المقارنة بمحض الصدفة فقد تزامنت المظاهرة النسوية مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان وتأبين نيلسون مانديلا. انكشف القناع وظهرت الحملة على حقيقتها بأنها مجرد ستار لمحاربة الإسلام والتضييق على المسلمين واستخدمت الناشطات النسويات كواجهة إعلامية لتسويق الإسلاموفوبيا.

 

تجاهلت الصيحات المطالِبة بحقوق المرأة المسلمة رأي المسلمات المنتسبات لهذه الجامعات وسارت في طريقها، فباتت كالمسعف يسرع بين الطرقات لإنقاذ المريض فإذا به يصل للمستشفى ويكتشف أنه تذكر كل شيء ونسي أن يجلب المريض. لم تجد الأصوات المتعالية أي حرج في إثبات موقفها من رفض الانفصال بين الجنسين في محاضرات المسلمين وإن كان برغبة المسلمات سواء من حاملات الجنسية البريطانية أو من أهل البلاد الأصليين ممن اعتنقن الإسلام. ولم تفلح مساعي المسلمين في شرح موقفهم حتى إن البعض منهم تبنى فكرة الانفصال الاختياري وأن الفعالية فيها مكان مخصص للرجال ومكان للنساء ومكان مختلط.

 

لعل الساعين لإقناع المسلمين بأن تطبيق العلمانية وتثبيت جذور الدولة المدنية هو الحماية الوحيدة لمشاكل المجتمع، لعلهم يتجاهلون أن هذه العلمانية الليبرالية فصامية وانتقائية ومليئة بالتناقضات، تمجد الحريات وتستعمر الدول، تقدر زي الراهبة وتحتقر زي المحجبة بل وتحاربه، تدّعي السعي لتحرير المرأة المسلمة بينما تحاول تهييج الرأي العام ضد المسلمات حتى بات منهن من يَهَبْنَ الخروج بمفردهن من المنزل مع تزايد ملحوظ للاعتداءات على المسلمين في الغرب، تعيب عليهن عدم التجاوب مع دعوات الاندماج بينما تهدد بحظر الفعاليات التي يفصل فيها الرجال عن النساء، وتقصي بذلك شريحة كبيرة ممن تلبَّسن بالحكم الشرعي من التفاعل مع الحراك الفكري في الجامعات بذريعة حماية المرأة من التمييز.

 

تفتخر بالمدارس والكليات النسائية وتصر على أن انفصال الرجال عن النساء يعيق المجتمع.. أي منطق هذا؟! وقع الكثيرون في الفخ الذي نصب لهم وانجرفوا وراء صيحات تندد بكل أنواع الفصل بين الرجال والنساء بذريعة أنها تحجر على المرأة وتقصيها من المجتمع، ولعل هذا التصور ناجم عن النظرة الغربية المعهودة في حصر تاريخ البشرية في التاريخ الغربي وفكره وتدويل مشاكله؛ فحمّلت بذلك نساء العالم تاريخًا مشتركًا مع نساء الغرب بالرغم من فرق البيئة والثقافة. عاشت المرأة الغربية في ضيق وعزلة تعاني من مجتمع يهمشها وتقاليد تضيق عليها، والأمثلة لا تعد ولا تحصى؛ فمنها حرمان النساء من المشاركة السياسية والاقتصادية، ومنها الفصل بين أدب الرجال والنساء ونظرة الناقد الأدبي لنتاج المرأة الفكري كنتاج أنثوي يحكم عليه من منطلق موروث ثقافي منحاز ضد المرأة مما دفع بالأخوات برونتي وغيرهن لنشر إبداعاتهن الأدبية بأسماء ذكورية مستعارة.

 

الإعلام البريطاني ربط بين الفصل بين الرجال والنساء وفكرة التمييز وهضم حقوق المرأة؛ فبنى هذا على مخزونه الثقافي، صور الحُسن والقبح حسب مفهومه ووجهة نظره للحياة التي تصور الفصل كعودة للعصر الفيكتوري الذي قهر المرأة وعزلها وضيّق عليها وحجبها عن العلم والمعرفة وتفعيل دورها في المجتمع. فكانت هذه محاولة بائسة لتقنين نمط عيش المسلمين المرتبط بحضارتهم الخاصة في إطار الحضارة الغربية. أما الإسلام فقد نظر للمرأة والرجل كإنسان ثم خاطب الرجل كرجل والمرأة كامرأة وفصَّل أحكاماً لكل منهما، قال تعالى: ﴿وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾.

 

إن نظرة الإسلام للفصل بين الجنسين نظرة مميزة ولا تقوم على أهواء البشر، وهي على النقيض التام مما يصوره الغرب؛ فهي ليست مبنية على أساس الجندر أو التحيز لطرف على حساب الآخر، بل هي حكم شرعي يلتزم به المسلم ويرتبط في ذهنه بمفهوم العبودية وانصياعه لخالقه بشكل يسمو به فوق الحسابات البشرية المحدودة، ويسعى به للفوز برضا الله والجنة. الإسلام طراز عيش مميز لا يقارن بغيره ولا يفهم في سياق حضارة أخرى (حتى لو صورت الأخرى نفسها كحضارة مهيمنة).

 

"فصل الرجال عن النساء عامة أمر ثابت بالنصوص الشرعية في القرآن والسنة، وهذا الفصل جاء عاماً، لا فرق في ذلك بين الحياة الخاصة، والحياة العامة. ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء الشارع بجواز الاجتماع فيه سواء في الحياة الخاصة، أو في الحياة العامة. وقد أجاز الشارع للمرأة البيع والشراء وأوجب عليها الحج ومحاسبة الحكام، وأجاز لها تمثيل غيرها وحضور صلاة الجماعة إلى غير ذلك فلم يعزلها عن المجتمع. فهذه الأفعال التي أجازها الشارع للمرأة، أو أوجبها عليها ينظر فيها فإن كان القيام بها يقتضي الاجتماع بالرجل جاز حينئذ الاجتماع في حدود أحكام الشرع، وفي حدود العمل الذي أجازه لها، وذلك كالبيع والشراء والإجارة والتعلم والتطبيب والتمريض والزراعة والصناعة وما شابه ذلك. لأن دليل إباحتها أو إيجابها يشمل إباحة الاجتماع لأجلها، وأما إن كان القيام بها لا يقتضي الاجتماع بالرجل سواء كان الاجتماع مع وجود الانفصال كما في المسجد، أو كان مع وجود الاختلاط كما في مشاعر الحج والبيع والشراء فهذا الاجتماع غير جائز".

 

(مقتبس بتصرف من كتاب النظام الاجتماعي في الإسلام للشيخ تقي الدين النبهاني). حتى لو نظر العالم بأسره للاختلاط كأمر إيجابي يفتح للمرأة فرصاً للاحتكاك بالرجال، فالمسلم يرى فيه فوضى ماجنة ومفسدة مهلكة ولا تجد المسلمة فيه سوى الضيق والحرج. هذه النظرة الإسلامية تطبق من قبل المسلمين في مساجدهم ومآتمهم وحلقات العلم ولم تجد المسلمة حرجاً في ذلك، ولكن الغرب كعادته يريد الوصاية على المرأة المسلمة، وبات الكل يبرر الدخول بين المرأة المسلمة ونفسها حتى باتت تُقهر باسم تحريرها. لم ترد أي شكوى من طالبة مسلمة (بما في ذلك من لا يلتزمن بالأحكام الشرعية) بأن هذا الانفصال في الجامعات يضرها، وبالرغم من ذلك كلف البعض نفسه مشقة الدفاع عنها! ومن عجائب الزمان أن تكون من بين المدافعات مريم نمازي التي تصف نفسها "كمسلمة سابقاً" وأعضاء من اليمين المتطرف المعروف بكراهيته للمهاجرين وحقده على المسلمين واعتداءاته عليهم.

 

الكل يدعي أنه حريص على المرأة المسلمة ونيلها لحقوقها ولم يعرف هذه الحقوق أو كيف تم تبديدها! ولنفرض جدلاً أن الفصل بين الجنسين يؤدي للتمييز فالأصل أن يؤدي لنفس الضرر على الجهتين فيميز "أ" عن "ب" والعكس، فأين الدعوات لإنصاف الرجال وتحريرهم مما وقع عليهم من حيف، أم أن الرجال لا بواكي لهم؟! أما عن مزاعمهم بأن الفصل بين الجنسين سيؤدي لتقليل فرص المرأة المسلمة، فإن الاختلاط لم يزد نساء أفريقيا الوسطى وجنوب أمريكا وغيرها من الدول تقدماً.

 

الانفصال بين النساء والرجال لا يعيق الفهم لمن يسر الله له ذلك، وإن كان الانفصال يعيق المعرفة فكيف وصل لنا الحديث الشريف وقد كان للمرأة وجود بارز فيه؛ ابتداءً من الدور المهم لأم المؤمنين عائشة، مروراً بباقي أمهات المؤمنين اللاتي رجع لهن الصحابة في الوقوف على أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته الخاصة، وصولاً للعدد الهائل من المحدثات المدونات في كتب الطبقات؛ حيث ذكر الذهبيُّ - رحمه الله - أنه روى عن نحو أربعمائة امرأةٍ، ولم ينظرْ لواحدةٍ منهنَّ، وإنما كان ذلك مِن وراء حجاب.

 

ادعى دعاة التغريب في المشرق أن من يحارب التغريب إنما يمارس سياسة الإقصاء، ولكن الظاهر من هذه الحادثة وغيرها أن الغرب يمارس هذه السياسة بتميز. بعد الشعارات الرنانة عن الليبرالية وتعدد الثقافات والمجتمع المفتوح والتجمع على مناصرة الحداثة بدلاً من لغة الإقصاء انحصر النقاش في نهاية المطاف لعبارة "هذه بريطانيا وعلى الجميع العيش بموجب القيم البريطانية"، وإذا أراد المسلمون الفصل بين الجنسين في فعالياته فعليهم أن يعقدوا هذه الفعاليات في المساجد.

 

إذنْ المسألة ليست قضايا المرأة أو الحرص على المسلمات في بريطانيا، ولا تتعدى السياق العام المنتشر منذ سنين في مهاجمة الجالية المسلمة والتضييق عليها وربطها بالتطرف. المسألة لا تتعدى هجمة مضادة لحماية قيم العلمانية في المجتمع وترويع الناس من أثر الدين خصوصاً مع التزايد اللافت لاعتناق البريطانيات للدين الإسلامي عبر احتكاكهن مع المسلمين في النشاطات الطلابية الدعوية. العلمانية المهيمنة تتظاهر بقبول الدين ولكنها لا تقبل بالدين إلا إذا كان خاضعاً لها متسربلاً بسربالها.

 

ولعل هذا يطرح السؤال الأهم: لماذا يصر الغرب على حماية قيمه في بلاده ويقيم الحصون وينصب الأسوار لحماية العلمانية بينما بلاد المسلمين مستباحة لغةً وتعليماً وأدباً وفكراً؟ لماذا يهاجم وجود قيم مخالفة لحضارته في بلاده وينشر نظرته للمرأة والاقتصاد والسياسة والثقافة في بلاد المسلمين بالترويج تارة وبجدع الأنف وليّ الذراع تارة أخرى؟! لماذا علينا أن نقبل بما يفرض علينا من معاهدات واتفاقيات تتعارض مع قيمنا؟!

 

 

أم يحيى بنت محمد، عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الإسلامي

 

 

المصدر : الإسلاميون.

 

 

إقرأ المزيد...

مواجهة مخططات الغرب

  • نشر في سياسي
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1692 مرات

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،


إن الناظر بعين البصيرة إلى ثورة الشام ليرى بوضوح مدى حقد الكافر المستعمر وكيف أنه يحوك المؤامرات ويرسم المخططات ويعقد المؤتمرات ليجهض الثورة أو يحرفها عن مسارها. فإننا نرى كيف أن الأخضر الإبراهيمي قام بجولة في الشرق الأوسط ومن قبله كيري كل ذلك تحضيرا لمؤتمر الخيانة في جنيف2.


وهذا معلوم للقاصي والداني، لكن الذي أردت لفت النظر إليه هو ماذا نقدم نحن لمواجهة هذه المخططات؟... وماذا عسانا نفعل لدرء خطرهم على ثورتنا؟... وهل يمكن أن نواجه هذه المشاريع أم أننا ما زلنا ضعفاء؟... وهل يجوز الاستسلام لهم بحجة وقف إراقة الدماء والرضا بما يملونه علينا؟...


نعم إخوتي، لا بد أن نعلم أن الغرب الكافر يعمل ليل نهار لتحقيق مصالحه وللإجهاز على المسلمين ولإفشال مشروعهم؛ فبعد أن خطف ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وهو يحاول خطف ثورة الشام؛ فشكل المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف وأخيرا حكومة انتقالية برئاسة أحمد طعمة التي ما زالت تلعب في الوقت الضائع وتريد الإمساك بالثورة مدعية رعاية شؤون الناس وتحقيق مصالحهم رغم أنها تعتمد كليًّا على الدعم الغربي المشبوه، ورغم أن أهل الشام يرفضون كل من يتشدق بالديمقراطية والعلمانية إلا أنها مصرة أن تكون في صف الخائنين لله ولرسوله وللمؤمنين. وبعد هذا كله كلل الغرب مؤامراته بمؤتمر جنيف2 الذي سيجمع بين المتشابهين ويجمع بين المتآمرين على الثورة، هذا المؤتمر الذي من المقرر أن يفضي إلى تشكيل حكومة مشتركة بين النظام المجرم والمعارضة الخارجية العلمانية.


كل هذا يقوم به الغرب وهو لا يمل ولا يكل لأجل الحفاظ على مصالحه وتحقيق أهدافه، فماذا نحن فاعلون؟


إن الواجب علينا أن نلتزم أحكام الله سبحانه وتعالى ونلجأ إليه وحده، وأن لا نطلب العون إلا منه، وأن لا نداهن أعداء الله ولا نواليهم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾، فالواجب علينا أن ننبذ الغرب وعملاءه، وأن لا نقبل منهم دعما ولا سلاحا ولا مالا؛ لأن ذلك موالاةٌ لهم ومداهنة، فالحذر الحذر أيها الثائرون في الشام فإن العدو يتربص بكم، فكونوا على حذر واستمسكوا بأمر الله واعتصموا بحبله ولا تتركوا للغرب الكافر مدخلا لكم لا مباشرة ولا عبر حكام الضرار من السعودية وقطر وغيرها، هؤلاء الحكام العملاء الشركاء في الحرب على الإسلام والمسلمين، هم العدو فاحذروهم ولا تخضعوا لقراراتهم لا في العلن ولا في الخفاء، فإن الأمة لن تعطي قيادتها إلا لمؤمن صادق مخلص شجاع لا يخشى في الله لومة لائم.


ولنعلم أن في الأمة مرجفين يخشون الغرب الكافر ولا يثقون بقدرات الأمة ولا يوقنون بوعد الله، هؤلاء حالهم كما قال الله فيهم ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ﴾، فإياكم أن تُخدعوا بعباراتهم المحبطة والاستسلامية وقولوا لهم كما قال الله لهم ﴿فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ [المائدة : 52]، فإننا بحق واثقون بوعد الله قادرون على إسقاط هذه المؤتمرات والمخططات وقادرون أن نقف أمام هذا الوحش المتهالك، وذلك عندما نتذكر أننا أمة فتحت بلاد فارس والروم وخرت الجبابرة ساجدة أمام جيوش المسلمين، نحن قادرون أن نغير العالم أجمع وننشر الهدى للبشرية قاطبة عندما نعلم أننا خير أمة أخرجت للناس، وعندما ندرك قضيتنا المصيرية في الحياة ألا وهي إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. نعم نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أمة لا تعرف الهوان، أمة لا تعرف الاستسلام، أمة لم تذق طعم الذل إلا عندما تخلت عن تطبيق شرع الله. هكذا يجب أن تكون هِمَمُنا، وبهذه الهمم نعلو وننهض بأمتنا ونقيم عزًّا لطالما اشتاقت الأمة أن تحياه، إنه عز الإسلام والحكم بالقرآن.


أما ما يتنطع به البعض أن القبول بالحلول الغربية ليس استسلاما إنما وقف لسيل دماء المسلمين، أقول لهم هل سالت هذه الدماء لأجل استسلامكم وخضوعكم؟... هل نترك التضحية في سبيل الله لأجل خنوعكم لقرارات الغرب الكافر؟ اعلموا أن إقامة الخلافة الراشدة تستحق أن نضحي لأجلها بكل ما نملك؛ لأن فيها عزنا وفيها خلاصنا بل خلاص البشرية، بل إن الله فرض علينا أن نضحي بأنفسنا وأموالنا في سبيل إعلاء كلمة الله ورفع رايته وتحكيم شريعته، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾. فهذا العقد عقده المؤمنون مع ربهم وخاصة أهل الشام فإنهم نذروا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، فليخسأ المرجفون واليائسون الخانعون، وليكمّوا أفواههم عن كلمات الجبن والخنوع، فإن الأمة لم تعد تقبل أمثالكم، فإما أن تعودوا لرشدكم وتقفوا مع الأمة الثابتة صفا واحدا، وإما فاعلموا أن الأمة لفظتكم ولن تعطي قيادتها إلا للرائد الذي لا يكذب أهله.


فيا أهلنا في الشام، اثبتوا واصبروا فإن النصر قريب وإن الله معكم ولن يتركم أعمالكم.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
منير ناصر
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا


 

إقرأ المزيد...

خبر وتعليق ميزانية السعودية مكر وخداع

  • نشر في التعليق
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 731 مرات


الخبر:


الرياض: أقر مجلس الوزراء، في جلسته التي عقدها برئاسة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1435هـ / 1436هـ، وأصدرت وزارة المالية اليوم بياناً بمناسبة صدور الميزانية العامة توقعت فيه أن تصل الإيرادات الفعلية في نهاية العام المالي الحالي إلى ألف ومئة وواحد وثلاثين مليار ريال بزيادة نسبتها (36) بالمئة عن المقدر لها بالميزانية (90) بالمئة منها تمثل إيرادات بترولية، وأن تبلغ المصروفات الفعلية للعام المالي الحالي (925) تسع مئة وخمسة وعشرين مليار ريال. (وكالة الأنباء السعودية 23-12-2013).


التعليق:


في كل عام وفي مثل هذا الوقت يعلن الملك في احتفال خاص عن ميزانية العام القادم، وفي كل عام يعلن بأنها أكبر ميزانية لحد الآن وخاصة في السنوات الثلاث الأخيرة (زمن الثورات)، وكأن خطابه موجه للشعب، ولسان حال الملك يقول: (هذه الخيرات وهذه الأموال أدفعها لكم ما دمتم في ظل حكم آل سعود، لكن إذا حدث وفكرتم بالتغيير فلن تظفروا بهذا الخير الوفير).


لا يتسع المقام هنا للحديث المبسوط حول الميزانية العامة ونقاشها بشكل مفصل ولكننا سنكتفي ببعض الإضاءات علها تنير طريقا لمن أراد الله له نورا..


أولا: إن واجب الدولة في الإسلام أن تؤمن الحاجات الأساسية للفرد والمجتمع، فتؤمن للفرد المأكل والمسكن والملبس، وتؤمن للمجتمع التطبيب والتعليم والأمن، ثم تعمل على تأمين الحاجات الكمالية للفرد والمجتمع قدر استطاعتها، وعلى هذا يجب أن ترتكز نفقات الدولة، وهذا ما لا نجده في هذه الميزانية أو غيرها..


فما زال هناك الفقراء والمحتاجون الذين لا يكفيهم راتبهم، والغلاء المتزايد في مصاريف الحياة غير المبرر وكأن المال يدور في دائرة مغلقة. فالأغنياء يزدادون غنى والفقراء فقرا.


ثانيا: يتفاخر مجلس الوزراء أن 90% من واردات الميزانية هي منتجات بترولية، وفي هذا خلل شرعي ووهن اقتصادي واضح، فلا التنمية الاقتصادية من صناعة أو زراعة أو مشاريع حقيقية قد طبقت، ولا الحكم الشرعي في واردات بيت المال من جزية أو خراج أو ركاز أو فيء أو زكاة قد طبق. وبكل بساطة تم إغفال الحكم الشرعي في أن الواردات البترولية هي ملكية عامة يجب أن توزع على الأمة وليست من أملاك الدولة، بل أهملت الميزانية ذلك كله واعتبرت أموال البترول هي مصدر الدخل الرئيس للدولة، واستولت عليها صراحة دون تورية في تعد صارخ على حقوق الأمة وممتلكاتها..


وأخيرا: إن ميزانية بهذا الحجم لكفيلة أن تكفي مسلمي العالم الإسلامي كله وليس فقط بلاد الحرمين لو كانت بيد خليفة مسلم يتقي الله ويطبق شرعه بحق، فيطعم جائعهم ويكسو عريانهم ويغيث ملهوفهم وينتصر للمستغيث منهم، ولكنها للأسف أرقام كبيرة لفائدة الغرب وعملائهم من الطبقة الحاكمة أو الرأسمالية، وليس للمسلمين منها إلا القليل، فلا نراها تكفي سائلا أو تطعم جائعا أو تنقذ مفجوعا، فمتى ينتفض أهلنا في بلاد الحرمين على سكوتهم وينتصروا لدينهم وأمتهم..


إن آل سعود باتوا يشعرون بالخطر المحدق بهم، فالثورات من حولهم، فهم يخافون من ارتفاع صوت الحق المطالب بتطبيق شرع الله بدولة إسلامية حقيقية (الخلافة) وليست دولة بناها الإنجليز وأعطت ولاءها للغرب الكافر. فبالأموال يحاولون تثبيت حكمهم ويرشون شعوبهم.


قال الله تعالى:


﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ﴾ [إبراهيم: 46]

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو صهيب القحطاني بلاد الحرمين

إقرأ المزيد...

خبر وتعليق الخلافة حقيقة وليست حلما أو وهما

  • نشر في التعليق
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 959 مرات


الخبر:


نشر موقع فيتو خبرا جاء فيه: "قال الدكتور يحيى الجمل، نائب رئيس الوزراء الأسبق، إن الشعب المصري قضى على آمال جماعة الإخوان «المحظورة» في إعادة إحياء «حلم الخلافة» الوهمي.

 

التعليق:


أولا: لمن لا يعرفه فهو الدكتور يحيى عبد العزيز عبد الفتاح الجمل فقيه دستوري مصري من مواليد عام 1930. أسس حزب الجبهة الديمقراطية، وتولى رئاسته.

 

وحزب الجبهة الديمقراطية هو حزب سياسي تقدمي ليبرالي مصري تم الموافقة على إنشائه في مايو ٢٠٠٧، يرأسه حالياً السعيد كامل.


إذن من خلال تعريف الحزب الذي أسسه وتولى رئاسته، ومن خلال الاطلاع على بعض آرائه يتجلى لنا حقد هذا الرجل على الإسلام.


ثانيا: إن الواقع العملي للإخوان المسلمين يبين بما لا يدع مجالا للشك أنهم لا يسعون لإقامة نظام الخلافة، وواقعهم في مصر وتونس والمغرب، وفي العراق والأردن وسوريا، وفي كل مكان وصلوا فيه للحكم أو شاركوا فيه في الحياة السياسية يبين ذلك بوضوح، والله أعلم بالسرائر، علما أن الأهداف والغايات السياسية، يجب أن تكون معلنة ولا تكفي فيها النوايا.


ثالثا: أما الخلافة، وهنا بيت القصيد، فهي فرض ربنا ووعده سبحانه وتعالى، وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم؛


أما أنها فرض ربنا عز وجل فذلك لقوله: ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ﴾، وقوله: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾. وخطاب الرسول عليه الصلاة والسلام بالحكم بينهم بما أنزل الله هو خطاب لأمته صلوات الله وسلامه عليه، ومفهومه أن يوجِدوا حاكماً بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام يحكم بينهم بما أنزل الله، والأمر في الخطاب يفيد الجزم؛ لأن موضوع الخطاب فرض، وهذا قرينة على الجزم كما في الأصول، والحاكم الذي يحكم بين المسلمين بما أنزل الله بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام هو الخليفة. ونظام الحكم على هذا الوجه هو نظام الخـلافة. هذا فضلاً عن أن إقامة الحدود وسائر الأحكام واجبة، وهذه لا تقام إلا بالحاكم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أي أن إيجاد الحاكم الذي يقيم الشرع هو واجب. والحاكم على هذا الوجه هو الخليفة، ونظام الحكم هو نظام الخـلافة.


أما أنها وعد ربنا تبارك وتعالى فذلك لقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.


وأما أنها بشرى الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فلما صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها» أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد، وغيرهم. وقال صلى الله عليه وسلم: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر» أخرجه أحمد والطبراني في مسند الشاميين، والحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والبيهقي في السنن الكبرى، وغيرهم. وقال عليه وآله الصلاة والسلام: «تكونُ النُّـبُوَّةُ فيكمْ ما شاءَ اللّهُ أنْ تكون، ثمّ يرْفعُها اللّهُ إذا شاءَ أنْ يرْفَعَها. ثـُـمّ تكونُ خِلافةً على مِنهاج النبوَّة، فتكونُ ما شاءَ اللّهُ أنْ تكون، ثـُمّ يرْفعُها إذا شاءَ أنْ يرفعَها. ثـُمّ تكونُ مُلْكاً عاضّاً، فتكونُ ما شاءَ الله أنْ تكونَ، ثـُمّ يرفعُها إذا شاءَ الله أنْ يرفعَها. ثـُـمّ تكونُ مُلْكاً جَبريَّةً، فتكونُ ما شاءَ الله أنْ تكونَ، ثـُـمّ يرفعُها إذا شاءَ أنْ يرفعَها. ثـُـمّ تكونُ خِـلافـةً على مِنهـاج النُّـبُوَّة، ثم سكت» أخرجه أحمد.


ولذلك فالخلافة ليست حلما يدغدغ مشاعرنا، ولا هي وهما نسجته بنات أفكارنا، بل حقيقة نراها رأي العين، نشرت الهدى والنور في ربوع العالم لأكثر من ثلاثة عشر قرنا خلت، وستعود قريبا بإذن الله لتنشر الهدى والنور، وتبسط الخير والعدل من جديد، في العالم بعد أن اكتوى بنار الرأسمالية العلمانية. ويومها يفرح المؤمنون بنصر الله، ويعض المجرمون أناملهم من الغيظ.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الملك

إقرأ المزيد...

نفائس الثمرات حرمت النار على عين دمعت من خشية الله

  • نشر في من السّنة الشريفة
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 532 مرات


عن أبي ريحانة رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فسمعته يقول: «حرمت النار على عين دمعت من خشية الله، حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله ونسيت الثالثة وسمعت بعد أنه قال حرمت النار على عين غضت عن محارم الله» رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والنسائي واللفظ للنسائي.

 

 


وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إقرأ المزيد...

مع الحديث الشريف مثلي كمثل غيث

  • نشر في من السّنة الشريفة
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 493 مرات

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


مما رواه مسلم في صحيحه رَحِمَهُ اللَّهُ


حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَاللَّفْظُ لِأَبِي عَامِرٍ، قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ".


ومما ورد في شرح النووي:-


(الْغَيْثُ):- الْمَطَرُ، (الْعُشْبُ وَالْكَلَأُ وَالْحَشِيشُ):- أَسْمَاءٌ لِلنَّبَاتِ، لَكِنَّ الْحَشِيشَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ، وَالْعُشْبُ وَالْكَلَأُ، مَقْصُورًا مُخْتَصَّانِ بِالرَّطْبِ، وبعض أهل العلم قال: أن (الْكَلَأُ ):- يَقَعُ عَلَى الْيَابِسِ وَالرَّطْبِ، وَأَمَّا (الْأَجَادِبُ ):- قَالَ الْخَطَّابِيُّ:- هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تُمْسِكُ الْمَاءَ، فَلَا يُسْرِعُ فِيهِ النُّضُوبُ، وَقَالَ الْقَاضِي:- الْجَدْبِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْخِصْبِ، وَأَمَّا:- ( الْقِيعَانُ ):- الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ، وَقِيلَ: الْمَلْسَاءُ، وَقِيلَ: الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا، وقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: قَاعَةُ الدَّارِ، سَاحَتُهَا.


وقال النووي رَحِمَهُ اللَّهُ:-


أَمَّا مَعَانِي الْحَدِيثِ وَمَقْصُودُهُ فَهُوَ تَمْثِيلُ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَيْثِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْضَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، وَكَذَلِكَ النَّاسُ. فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنَ الْأَرْضِ يَنْتَفِعُ بِالْمَطَرِ فَيَحْيَى بَعْدَ أَنْ كَانَ مَيْتًا، وَيُنْبِتُ الْكَلَأَ، فَتَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ وَالدَّوَابُّ وَالزَّرْعُ وَغَيْرُهَا، وَكَذَا النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنَ النَّاسِ، يَبْلُغُهُ الْهُدَى وَالْعِلْمُ فَيَحْفَظُهُ فَيَحْيَا قَلْبُهُ، وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيُعَلِّمُهُ غَيْرَهُ، فَيَنْتَفِعُ وَيَنْفَعُ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْأَرْضِ مَا لَا تَقْبَلُ الِانْتِفَاعَ فِي نَفْسِهَا، لَكِنْ فِيهَا فَائِدَةٌ، وَهِيَ إِمْسَاكُ الْمَاءِ لِغَيْرِهَا، فَيَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ وَالدَّوَابُّ، وَكَذَا النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ النَّاسِ، لَهُمْ قُلُوبٌ حَافِظَةٌ، لَكِنْ لَيْسَتْ لَهُمْ أَفْهَامٌ ثَاقِبَةٌ، وَلَا رُسُوخَ لَهُمْ فِي الْعَقْلِ يَسْتَنْبِطُونَ بِهِ الْمَعَانِيَ وَالْأَحْكَامَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمُ اجْتِهَادٌ فِي الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَهُمْ يَحْفَظُونَهُ حَتَّى يَأْتِيَ طَالِبٌ مُحْتَاجٌ مُتَعَطِّشٌ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، أَهْلٌ لِلنَّفْعِ وَالِانْتِفَاعِ، فَيَأْخُذَهُ مِنْهُمْ، فَيَنْتَفِعَ بِهِ، فَهَؤُلَاءِ نَفَعُوا بِمَا بَلَغَهُمْ. وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ الْأَرْضِ السِّبَاخُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ وَنَحْوُهَا، فَهِيَ لَا تَنْتَفِعُ بِالْمَاءِ، وَلَا تُمْسِكُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهَا غَيْرُهَا، وَكَذَا النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ النَّاسِ، لَيْسَتْ لَهُمْ قُلُوبٌ حَافِظَةٌ، وَلَا أَفْهَامٌ وَاعِيَةٌ، فَإِذَا سَمِعُوا الْعِلْمَ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلَا يَحْفَظُونَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَم.


و قاَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَابِلِ الصَّيِّبِ:-


جعلَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ الناسَ بِالنسبةِ إلى الهُدىَ وَالْعِلْمِ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ:-


الطبقةُ الأولى: ورثةُ الرسلِ وخلفاءُ الأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلامُ، وهمُ الذينَ قاموا بالدِّينِ عِلمًا وعَملاً ودعوةً إلى اللهِ عزَّ وجلَّ ورسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فهؤلاءِ أتباعُ الرَسُولِ ـ صَلَواتُ اللهِ عليه وسلامُهُ ـ حقًّا، وهُمْ بِمَنزلةِ الطائفةِ الطَّيِّبَةِ منَ الأرضِ الَّتِي زَكَتْ، فقَبِلَتِ الماءَ، فأنبتَتِ الكَلَأَ والعُشْبَ الكثيرَ، فزَكَتْ في نفسِها، وزكا الناسُ بها.


وهؤلاءِ همُ الذينَ جمَعُوا بينَ البصيرةِ في الدِّينِ والقوَّةِ على الدعوةِ، ولذلكَ كانوا ورثةَ الأنبياءِ صلى اللهُ عليهم وسلَّم فهذا الفَهمُ هو بمنزلةِ الكَلأِ والعُشْبِ الكثيرِ الذي أنبتَتْهُ الأرضُ، وهو الذي تميَّزَتْ به هذه الطبقةُ عنِ:


الطبقةِ الثانيةِ: فإنها حفظَتِ النُّصوصَ، وكان هَمُّها حفظَها وضبطَها، فوَرَدَها الناسُ وتلقَّوْهَا منهم، فاستَنْبَطوا منها، واستخرجوا كنوزَها، واتَّجرُوا فيها، وبذَرُوها في أرضٍ قابلةٍ للزرعِ والنباتِ، وورَدَهَا كُلٌّ بَحَسَبِهِ {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}.


وهؤلاءِ همُ الذينَ قال فيهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، فأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ)).


وهذا عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ حَبْرُ الأُمَّةِ وتَرْجُمَانُ القرآنِ؛ مقدارُ ما سمِعَ منَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لم يبلغْ نحوَ العِشرينَ حديثًا الذي يقولُ فيه: «سمعتُ» و«رأيتُ»، وسمعَ الكثيرُ من الصحابةِ، وبُوركَ في فهمِهِ والاستنباط منه حتى ملأَ الدنيا عِلماً وفقهاً.


وأينَ تقعُ فتاوى ابنِ عباسٍ، وتفسيرُهُ، واستنباطُهُ، من فتاوى أبي هُرَيْرَةَ وتفسيرُهُ؟! وأبو هُرَيْرَةَ أحفظُ منهُ، بلْ هوَ حافظُ الأمةِ على الإطلاقِ، يؤدي الحديثَ كما سمِعَه، ويدرُسُه باللَّيلِ درسًا، فكانت هِمَّتُه مصروفةً إلى الحفظِ، وتبليغ ما حَفِظَهُ كما سمعَه، وهِمَّةُ ابنِ عباسٍ مصروفةٌ إلى التَّفَقُّهِ والاستنباطِ، وتفجيرِ النصوصِ، وشقِّ الأنهارِ منها، واستخراجِ كُنُوزِها.


وهكذا الناسُ بعدَه قسمانِ:


قِسمٌ حُفَّاظٌ مُعْتَنُونَ بِالضَّبْطِ، والحفظِ، والأداءِ، كما سمعوا، ولا يستنبطونَ ولا يَستخرجونَ كنوزَ ما حفِظُوهُ.


وقِسمٌ مُعْتَنُونَ بالاستنباطِ واستخراجِ الأحكامِ منَ النصوصِ، والتَّفَقُّهِ فيها.


وأمَّا الطائفةُ الثالثةُ: وهُمْ أشقَى الخلقِ، الذين لم يقبلوا هُدىَ اللهَ ولم يرفعُوا به رأساً، فلا حفظَ، ولا فهمَ، ولا روايةَ، ولا درايةَ، ولا رعايةَ.


فالطبقةُ الأولى: أهلُ روايةٍ وداريةٍ.


والطبقةُ الثانيةُ: أهلُ روايةٍ ورعايةٍ، ولهم نصيبٌ من الدرايةِ، بل حظُّهم من الروايةِ أوفرُ.


والطبقةُ الثالثةُ: الأشقياءُ، لا روايةَ، ولا دِرايةَ، ولا رِعايةَ {إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}.


فهُمُ الذين يُضَيِّقونَ الديارَ، ويُغْلُونَ الأسعارَ، إنْ هَمُّ أحدِهم إلا بطْنُه وفرجُه، فإِنْ ترَقَّتْ همَّتُه فوق ذلك كان همُّه ـ معَ ذلِكَ ـ لباسَهُ وزينَتَهُ، فإنَ ترَقَّتْ همَّتُه فوقَ ذلكَ كان هَمُّهُ في الرياسةِ والانتصارِ للنفسِ الكَلْبيَّة، فَإنِ ارتفعَتْ هِمَّتُهُ عن نُصرَةِ النفسِ الكلبيَّة، كان همُّهُ في نصرةِ النفسِ السَّبُعيَّة، وأما النفسِ المَلَكِيّة، فلم يُعْطَها أحدٌ من هؤلاء؛ فإن النفوسَ ثلاثة: كلبيّةٌ وسبعيّةٌ ومَلَكِيَّةٌ:


فَالكَلْبيةُ: تقنَعُ بالعَظْمِ، والكِسرةِ، والجِيفةِ، والعَذِرةِ.


والسَّبُعيةُ: لا تقنعُ بذلك، بل بقهرِ النفوسِ، والاستعلاءَ عليها بالحقِّ والباطلِ.


وأمَّا المَلَكِيَّةُ: فقدِ ارتفعَتْ عن ذلك، وشمَّرتْ إلى الرفيقِ الأعلى، فهِمَّتُها العلمُ والإيمانُ، ومحبةُ اللهِ تعالى، والإنابةُ إليه، والطمـأنينة به، والسكون إليه، وإيثارُ محبتِهِ ومرضاتِهِ، وإنما تأخذُ منَ الدنيا ما تأخذُه لتستعينَ به على الوُصولِ إلى فَاطِرِهَا وربِّها ووَلِيِّها، لا لِتَنْقَطِعَ بِهِ عَنْهُ).


أيها الأحبة بالله:- كثيرة هي النعم التي أنعمها الله علينا ولعل من أجلّها وأعظمها نعمة الإسلام، وكفى بها من نعمة وأعظم بها من مثوبة وأكرم بها من أجر ومكرمة، وإن من تمام هذه النعمة بعد فهمها وتطبيقها أن نحملها ونبلغها للناس، وأن نقوم بمهمة الأنبياء والرسل،


نعم أيها الأحبة بالله:- نعمة حمل الدعوة الإسلامية التي من أجلها جعلنا الله من خير أمة أخرجت للناس،


أيها الأحبة بالله:-


إن حمل الدعوة فرض عليكم، وإن السعي لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الموعودة فرض، والتكتل مع الفئة المنصورة بإذن الله محقق لغاية الغايات - رضى الله سبحانه وتعالى - أحبتي بالله لا تحرموا أنفسكم هذه النعمة، حتى يتحقق تحكيم كتاب الله بشكل كامل وشامل في ظل دولة الخلافة الراشدة والتي أوجب الله على كل مسلم العمل لإيجادها والدفاع عنها وحمايتها.


أحبنتا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إقرأ المزيد...

لماذا ركّز الاستعمار على بلاد المسلمين دون غيرها من البلدان التي يستعمرها؟

  • نشر في سياسي
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1690 مرات

 

الغرب يعلم أن الإسلام عقيدة سياسية روحية عالمية تُقنع العقل وتُطمئن القلب. ويعلم تاريخ الدولة الإسلامية منذ تأسيسها على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويعلم أن هذه الدولة ليست لها حدود، وأن جندها لا يُهزم، وأنها وصلت جنوب باريس عاصمة فرنسا وحاصرت أسوار فينّا عاصمة النّمسا بالفتوحات.

 

وهنا يحضرني تصريح وزير خارجية النّظام السوري المجرم وليد المعلّم في الأردن: ".. مَن يطالبون بإقامة دولة الخلافة الإسلامية لن يقفوا عند حدود سوريا". هذا في عملية ضم بقية البلدان الإسلامية إذا قامت بإذن الله في الشّام أو في مكان آخر. ولن تقف أيضا بعد عملية الضم حتى تعُمّ العالم كلّه كما جاء في الحديث الشّريف فتحا بالدعوة والجهاد.

 

وقد بذل الغرب الغالي والنفيس لإسقاط هذه الدولة بالتعاون مع بعض ضعاف النفوس من التّرك والعرب واحتلّ وقسّم وربط البلدان به ربطا متينا وأحكم قبضته عليها وأخضع الأمة لإرادته وتدخّل في كل تفاصيل حياة المسلمين مباشرة أو بواسطة أدواته وأعوانه من أحزاب سياسية ومجتمع مدني، يراقب كلّ محاولة من طرف الأمة للنهوض لإفشالها. ولذلك حكامنا جاؤوا بمباركة غربية حتى إن جرت انتخابات، ومهمتهم الرئيسة إخضاع الشعوب للاستعمار ولو بالقوة. ومن هنا كان قادة الجيوش مربوطين أيضا بالاستعمار. فالغرب لا يترك بلاد المسلمين تتحرّر من استعماره إلاّ إذا غُلب على ذلك، فهي قضية حياة أو موت بالنّسبة له كما هي قضية حياة أو موت بالنّسبة لنا. والمثال قائم أمامنا في ثورة الشّام. فالعبء ثقيل وهو ابتلاء من الله وتمحيص، قال جلّ وعلا: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ[البقرة: 155]. وقال: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ[البقرة: 214].]

 

نسأل الله متضرعين له أن يُفشل خطط الاستعمار ويردّ مكره ويثبت وينصر ثوّار الشّام.

 

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمد بوعزيزي

إقرأ المزيد...
الاشتراك في هذه خدمة RSS

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع