- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير أمريكا لحقوق الإنسان: عمقٌ جديد في التّلاعب والتشويه
(مترجم)
الخبر:
أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الأسبوع نسخةً مُبسطةً من تقاريرها السنوية حول ممارسات حقوق الإنسان في الدول، والتي تغطي عام 2024، ما أثار انتقاداتٍ لاذعة من جماعات حقوق الإنسان ومسؤولين سابقين. وأفاد موقع أكسيوس في 13 آب/أغسطس 2025 أنّ منظمة العفو الدولية قالت: "لقد انتقدنا التقارير السابقة عندما كان ذلك مُبرراً، لكننا لم نرَ قط تقارير كهذه".
التعليق:
الديمقراطية هي القناع الذي يُخفي الوجه القبيح للرأسمالية، لكن هذا المصطلح اليوناني القديم كان يبدو جذاباً للكثيرين لارتباطه بحقوق الإنسان. ومع ذلك، تستخدم أمريكا حقوق الإنسان بانتقائية شديدة لمصالحها، وقد تجاوزت الآن منعطفاً جديداً في مسيرتها الطويلة والمتعرجة من النفاق.
يُقلّل التحيز غير المسبوق في التقرير الأخير، أكثر من أي وقت مضى، من شأن انتهاكات جهات مُختارة مُتحالفة مع أمريكا، مُركّزاً التدقيق على المُنتقدين والمُنافسين، ومُحوّلاً ما يُقدّم عادةً كخط أساس محايد إلى أداة مباشرة لا لبس فيها للسياسة الخارجية والداخلية الأمريكية، وتُضخّم بعض الانتهاكات وتُسكت أخرى. وبينما يُشكّل التقرير عادةً مصدراً للذخيرة التي تستخدمها أمريكا لانتقاء البيانات المُناسبة لاستهداف انتهاكات الحكومات والجهات الأجنبية التي ترغب في ابتزازها، فإنّ الوثيقة نفسها هذا العام تُمثّل السلاح. وقد حرص وزير خارجيتها ماركو روبيو على ذلك بتهديد مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل وموظفيه في وزارة الخارجية الذين كانوا بصدد إعداد التقرير، وما تلا ذلك من تخفيضات في عدد الموظفين وصلت إلى 80%، وفقاً لمجلة بوليتيكو؛ ويتزامن ذلك مع عمليات التحرير التي أجراها مكتب الوزير روبيو وكبار المُعيّنين السياسيين في أقسام الشرق الأوسط قبيل النشر؛ وإلغاء المقدمة/الإيجاز الصحفي التقليدي عند إصدار التقرير.
خفف تقرير عام 2024 من انتقادات السلفادور: فبينما سرد تقرير عام 2023 "قضايا حقوق الإنسان المهمة"، أكدّ تقرير عام 2024 عدم وجود "تقارير موثوقة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان". ويتجاهل هذا التحذيرات المستمرة من المراقبين المستقلين بشأن الاعتقالات الجماعية ومخاطر الإجراءات القانونية الواجبة في ظلّ نظام الطوارئ الذي فرضه الرئيس نجيب بوكيلي. كما كانت تغطية كيان يهود وحملته الإبادة الجماعية ضدّ الفلسطينيين هدفاً لتدخل روبيو، وقالت جماعات حقوق الإنسان إنّ مناقشة غزة ضغطت أو حذفت تفاصيل عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين وظروف الحصار والوصول الإنساني التي وثقها المراقبون الخارجيون على نطاق واسع.
على العكس من ذلك، فإنّ التقرير أكثر صرامة في المجالات التي تناسب المصالح الأمريكية؛ حيث يركز، على سبيل المثال، على القاضي البرازيلي ألكسندر دي مورايس لأمره بإغلاق منصات واعتقالات مرتبطة بشبكات مؤيدة لبولسونارو. يقول قسم البرازيل في التقرير، كما لخصه موقع أكسيوس، إنّ الوضع "تراجع خلال العام"، مشيراً إلى "الإجراءات الواسعة وغير المتناسبة" التي اتخذتها المحاكم "لتقويض حرية التعبير وحرية الإنترنت". وأضافت هيومن رايتس ووتش: "إن تقرير وزارة الخارجية الجديد عن حقوق الإنسان هو في كثير من الأحيان ممارسة للتستر والخداع". لماذا تشعر وزارة الخارجية الأمريكية بالقلق الشديد بشأن الرقابة على الشبكات المؤيدة لبولسونارو؟ ربما لأن الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو قد وُصف بأنه "ترامب المناطق الاستوائية" لقربه من الرئيس الأمريكي ترامب الذي ادعى أن الاتهامات الموجهة إلى بولسونارو لدوره في التخطيط لانقلاب عام 2022 تشبه وضعه في الولايات المتحدة! في الشهر الماضي، رفع ترامب الرسوم الجمركية على الواردات البرازيلية إلى 50٪ للضغط على الرئيس الحالي لولا.
أما جنوب أفريقيا، فقد أفادت رويترز أن انتقاد جنوب أفريقيا يتزايد حتى مع انخفاض التدقيق في بعض شركاء أمريكا. يقول التقرير إن "جنوب أفريقيا اتخذت خطوة مقلقة للغاية نحو مصادرة أراضي الأفريكانيين". ومن خلال منحها مساحة أكبر مع تقليص التغطية في أماكن أخرى، يقدم التقرير حجة تتماشى مع الخلاف الدبلوماسي الأمريكي بدلاً من منح وزن نسبي متوازن. وأفادت رويترز أن انتقاد جنوب أفريقيا يتزايد حتى مع انخفاض التدقيق في بعض شركاء أمريكا. ويركز التقرير على الخلافات المتعلقة بحرية التعبير والرقابة، وهي قضايا تُسلط الإدارة الضوء عليها بالفعل في رسائلها العامة. ومن خلال منح جنوب أفريقيا مساحة أكبر مع تقليص التغطية في أماكن أخرى، يقدم التقرير حجة تتماشى مع الخلاف الدبلوماسي الأمريكي بدلاً من منح وزن نسبي متوازن.
تُظهر البرازيل وجنوب أفريقيا معاً النمط الذي يصفه أكسيوس: معاملة أكثر ليونة لشركاء مختارين، وتفاصيل أكثر صرامة للحكومات التي تتعارض مع أجندة واشنطن. وكما ذكرت رويترز، فإن التقرير "يخفف من حدة الانتقادات لبعض الدول الشريكة لترامب" بينما يزيد من التدقيق في أماكن أخرى. لطالما تقاطعت هذه التقارير السنوية مع مصالح أمريكا، لكن تقرير هذا العام مُبالغ فيه أكثر. تنبع أهميتها من أنها منذ أن أقرّ الكونغرس هذه السلسلة في سبعينات القرن الماضي، أصبحت تقارير الدول جزءاً لا يتجزأ من سياسة أمريكا الخارجية. فهي تُرشد عمليات الرقابة على نقل الأسلحة، وشروط المساعدات (بما في ذلك تدقيق قانون ليهي لوحدات الأمن الأجنبية)، والدبلوماسية. وبدعوى حقوق الإنسان، تفعل أمريكا ما يحلو لها، وتزداد جرأةً في نفاقها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. عبد الله روبين