- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(ح12) عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا ينخدع بالمظاهر
الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ.
أيها المؤمنون:
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه". وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه لا ينخدع بالمظاهر". نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
"لَسْتُ بِالخِبِّ، وَلَا الخِبُّ يَخْدَعُنِي" اشْتَهَرَ نِسْبَةُ هَذَا الأَثَرِ لِأَمِيرِ المؤْمِنِينَ، أَبِي حَفْصٍ، عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه وَالمعْنَى: لَسْتُ بِالـمَاكِرِ الـمُخَادِعِ - وَحَاشَاهُ رضي الله عنه أَنْ يَكُونَ كَذِلِكَ- وَلَكنَّهُ لَا يُمكِنُ أَنْ يَخْدَعَهُ الـمَاكِرُ الـمُرَاوِغُ؛ فَلَيسَ المؤْمِنُ مُخَادِعاً غَادِراً، كَمَا لَا يَسْمَحُ المؤْمِنُ لِغَيرِهِ أَنْ يَخْدَعَهُ، أَوْ أَنْ يَغْدُرَ بِهِ. قَالَ ابنُ القَيِّمِ، فِي كِتَابِ "الرُّوحِ": "وَكَانَ عُمَرُ أعقلَ مِنْ أَنْ يُخْدَعَ، وَأَوْرَعَ مِنْ أَنْ يَخْدَعَ". وَقَالَ المغِيرَةُ بنُ شُعْبَة: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْزَمَ مِنْ عُمَرَ؛ كَانَ لَهُ فَضْلٌ يَمنَعُهُ أَنْ يَجْزَعَ، وَعَقْلٌ يَمنَعُهُ أَنْ يُخْدَعَ"!!
سَألَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه عَنْ رَجُلٍ مَا إِذَا كَانَ أَحَدُ الحَاضِرِينَ يَعْرِفُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ، وَقَالَ: أَنَا أَعْرِفُهُ يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمَرُرضي الله عنه: لَعَلَّكَ جَارُهُ، فَالجَارُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَخْلَاقِ جِيرَانِهِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا. فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَعَلَّكَ صَاحَبْتَهُ فِي سَفَرٍ، فَالأَسْفَارُ مُكْشِفَةٌ لِلطِّبَاعِ، تُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا. فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَعَلَّكَ تَاجَرْتَ مَعَهُ؛ فَعَامَلْتَهُ بِالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ، فَالدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ يَكْشِفَانِ مَعَادِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا. فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَعَلَّكَ رَأَيتَهُ فِي المسْجِدِ يَهُزُّ رَأْسَهُ قَائِماً وَقَاعِداً؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَجَلْ. فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: اِجْلِسْ؛ فَإِنَّكَ لَا تَعْرِفُهُ.
كَانَ ابنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه يَعْرِفُ أَنَّ المرْءَ مِنَ الممْكِنِ أَنْ يَخْلَعَ دِينَهُ عَلَى عَتَبَةِ المسْجِدِ، ثُمَّ يَنْتَعِلَ حِذَاءَهُ، وَيَخْرُجَ لِلدُّنْيَا مَسْعُوراً، يَأْكُلُ مَالَ هَذَا، وَيَنْهَشُ عِرْضَ ذَاكَ!
كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَعْرِفُ أَنَّ اللِّحَى مِنَ الممْكِنِ أَنْ تُصْبِحَ مَتَارِيْسَ يَخْتَبِئُ خَلْفَهَا لُصُوصٌ كُثْرٌ، وَأَنَّ الجَلَابِيبَ لَيْسَ بِالضَّرُورَةِ تَحْتَهَا امْرَأةٌ فَاضِلَةٌ!
كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ السِّوَاكَ قَدْ يَغْدُو مِسَنًّا نَشْحَذُ فِيهِ أَسْنَانَنَا، وَنَأْكُلَ لُحُومَ بَعْضِنَا بَعْضًا!
كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الممْكِنِ أَنْ تُصْبِحَ مَظْهَرًا أَنِيقًا لِمُحْتَالٍ، وَأَنَّ الحَجَّ مِنَ الممْكِنِ أَنْ يُصْبِحَ عَبَاءَةً اجتِمَاعِيَّةً مَرْمُوقَةً لِوَضِيعٍ!
كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يُؤْمِنُ أَنَّ التَّدَيُّنَ الَّذِي لَا يَنْعَكِسُ أَثَرًا فِي السُّلُوكِ هُوَ تَدَيُّنٌ شَكْلِيٌّ أَجْوَفُ!! إِنَّ إِندُونِيسْيَا لَمْ يَفْتَحْهَا الـمُحَارِبُونَ بِسُيُوفِهِمْ، وَإِنَّمَا فَتَحَهَا التُّجَّارُ المسْلِمُونَ بِأَخْلَاقِهِمْ، وَأَمَانَاتِهِمْ! فَلَمْ يَكُونُوا يَبِيعُونَ بَضَائِعَهُمْ بِدِينِهِمْ، لِهَذَا أُعْجِبَ النَّاسُ بِهِمْ، وَقَالُوا: "يَا لَهُ مِنْ دِينٍ! إِنَّ الإِيمَانَ الكَاذِبَ أَسْوَأُ مِنَ الكُفْرِ الصَّرِيحِ، وَفِي كِلَيهِمَا شَرٌّ! وَإِنَّ التَّعَامُلُ مَعَ الآخَرِينَ هُوَ مَحَكُّ التَّدَيُّنِ الصَّحِيحِ! فَمَظَاهِرُ التَّدَيُّنِ عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ مَحْمُودٌ، وَنَحنُ نَعْتَزُّ بِدِينِنَا شَكْلًا، وَمَضْمُونًا، وَلَكِنَّ العَيبَ أَنْ نَتَمَسَّكَ بِالشَّكْلِ، وَنَتْرُكَ المضْمُونَ. فَالدِّينُ الَّذِي حَوَّلَ رُعَاةَ الغَنَمِ إِلَى قَادَةٍ لِلأُمَمِ لَمْ يُغَيِّرْ أَشْكَالَهُمْ، وَإِنَّمَا غَيَّرَ مَضَامِينَهُمْ. أَبُو جَهْلٍ كَانَ يَلْبَسُ العَبَاءَةَ وَالعَمَامَةَ ذَاتَيهِمَا اللَّتَينِ كَانَ يَلْبَسُهُمَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه! وَلِحْيَةُ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ كَانَتْ طَوِيلَةً كَلِحْيَةِ عَبدِ اللهِ بْنِ مَسُعودٍ رضي الله عنه! وَسَيفُ عُتْبَةَ كَانَ مِنَ المعْدِنِ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ مِنهُ سَيفُ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رضي الله عنه! تَشَابَهَتِ الأَشْكَالُ، وَاخْتَلَفَتِ المضَامِينُ، فَهَلْ أَدْرَكْنَا مَاذَا يُريدُ مِنَّا دِينُنُا؟ إِنَّهُ العِبَادَةُ بِمَفْهُومِهَا الشَّامِلِ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاهُ مِنَ اﻷَقْوَالِ، وَاﻷَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ، وَالبَاطِنَةِ. هَذَا هُوَ التَّدَيُّنُ، وَهَذَا هُوَ الإِيمَانُ الَّذِي يَرْضَاهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ!
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ: محمد أحمد النادي