- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أمة الإسلام بين الوحي والتاريخ
نحن أمة الإسلام التي اصطفاها الله من بين سائر الأمم، فخاطبها بمدح عظيم، فقال سبحانه: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾. هذه الخيرية ليست صفةً وراثية ولا منحةً تاريخية، بل هي وظيفة كبرى، ورسالة عظيمة، وواجب تكليفي؛ أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وإيمان وجهاد. فإن أدت الأمة وظيفتها صارت خير أمة، وإن قصرت لم تعد كذلك.
لقد جسّد الرسول ﷺ هذه الحقيقة من بداية بعثته، فلم يقف عند حدود الوعظ أو الزهد، بل أقام مشروعاً حضارياً كاملاً، يواجه به عقائد قريش الفاسدة، ويهدم أنظمتهم الباطلة، ويقدّم بديلاً ربانياً شاملاً. وفي المدينة أقام الدولة الإسلامية التي رعت شؤون رعاياها بالوحي، وحملت الإسلام إلى الناس بالدعوة والجهاد.
ومن بعده ﷺ سار الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم ومن تبعهم، ففتحوا فارس والروم، وأقاموا العدل في البلاد المفتوحة. ثم امتدت راية الإسلام شرقاً وغرباً في ظل الدولة الأموية، وبلغت قمة الازدهار في العصر العباسي، ثم حفظ العثمانيون بيضة الإسلام أربعة قرون، ففتحوا القسطنطينية تحقيقاً لبشارة الرسول ﷺ: «لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ».
هكذا عاشت الأمة في ظل الخلافة عزيزة قائدة، إلى أن تآمر الكافر المستعمر بقيادة بريطانيا، وأسقط الخلافة عام 1924م، فمزقت الأمة، وفقدت سلطانها، وسيطر المستعمر على أرضها وثرواتها وجيوشها.
اليوم نرى فلسطين يحتلها يهود المدعومون من الغرب، ونرى العراق والشام نهباً للغزاة، وأفغانستان ساحة للحروب، وأفريقيا فريسة للاستعمار الحديث، والخليج مرتهن لشركات الغرب وجيوشه، وجيوش المسلمين حُوّلت إلى أدوات لحماية الأنظمة العميلة، بدل أن تكون دروعاً للأمة وحراباً على أعدائها.
هذا الواقع ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة طبيعية لهدم الخلافة وفقدان الكيان الجامع. فما نحن اليوم إلا شعوب ممزقة، تحكمها أنظمة خائنة، تطبق أنظمة الغرب وقوانينه، وتخضع للغرب المستعمر.
فمن نحن إذن؟ أأمة الخيرية التي وصفها الله بها؟ أم شعوب فقدت هويتها ورايتها ورسالتها؟
إن خيريتنا لا تعود إلا بعودتنا إلى وظيفتنا الأصلية استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تطبق الإسلام في الداخل، وتحمله إلى العالم بالدعوة والجهاد، رسالة هدى ونور ورحمة للعالمين. قال ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا». وهذا وعد لا يتخلف، ولكنه مرتبط بعملنا نحن.
إن طريق التغيير لا يُبتكر من العقول ولا يُنتزع من التجارب الغربية، بل يُستمدّ من سيرة الرسول ﷺ الذي غيّر واقع البشرية: حيث ربّى ﷺ الصحابة جماعة مؤمنة على أساس العقيدة الإسلامية، حتى تشكّل عندهم وعي صافٍ وإخلاص صادق، فصاروا حملة دعوة لا يعرفون المساومة. ثم نزل الصحابة بهذا الوعي وبثقافة الإسلام وأفكاره إلى ساحات مكة، يواجهون الأصنام والأفكار والعادات، يصدعون بالحق، ويخوضون الصراع الفكري والكفاح السياسي، حتى كوّنوا رأياً عاماً واعياً بالإسلام، ورأى الناس أن الإسلام ليس دين عبادة فحسب، بل منهج حياة شامل، ونمط عيش متكامل.
تزامنا مع هذا توجه الرسول ﷺ إلى أهل القوة والمنعة من القبائل، يعرض عليهم مشروع الإسلام ويطلب منهم نصرته وإقامة دولته، فرده من رده واشترط عليه من اشترط، حتى هيأ الله له الأنصار من أهل يثرب، فبايعوه بيعة العقبة الثانية، فكانت نقطة التحول الكبرى، ثم قامت الدولة الإسلامية. هكذا سار ﷺ، وهكذا يجب أن نسير إن أردنا القيام بالواجب واستحقاق النصر والتمكين.
إن العمل لإقامة الخلافة ليس مجرد عبادة فردية ولا نشاطاً خيرياً، بل هو صراع فكري مع أفكار الكفر من ديمقراطية وعلمانية ووطنية وقومية، لكشف زيفها وإظهار عجزها، وتبيين صلاحية الإسلام وحده لقيادة البشرية. وهو كذلك كفاح سياسي ضد الأنظمة العميلة التي تحكم بلاد المسلمين، لكشف ولائها للغرب، وفضح جرائمها بحق الأمة، وقيادة المسلمين لمحاسبتها والعمل على اقتلاعها.
وعندما يتشكل في الأمة رأي عام واعٍ بالإسلام وضرورة تطبيقه، يأتي دور النصرة من أهل القوة والمنعة، من الجيوش أو القبائل أو القيادات المؤثرة، ليعطوا النصرة لحزب التحرير كاملة غير مشروطة كما أعطاها الأنصار لرسول الله ﷺ، فتقام الدولة الإسلامية من جديد.
يا أمة الإسلام، لسنا اليوم أمام خيار ترفي أو مسألة فرعية، بل أمام قضية مصيرية: إما أن نعود إلى دورنا كخير أمة تقود البشرية، أو نظل غثاءً تتداعى علينا الأمم.
إن الواجب على كل مسلم أن يجعل قضية الخلافة قضيته الأولى والمصيرية، وأن يعمل معنا لإقامتها، وفق منهج الرسول ﷺ بالصراع الفكري والكفاح السياسي واستنصار أهل القوة والمنعة القادرين على تمكين المخلصين من إقامتها وتطبيق الإسلام من خلالها، حتى تنهض الأمة من جديد.
إن الخلافة ليست مجرد حكم، بل هي تطبيق الإسلام كاملا شاملا غير منقوص، وتحرير الأمة ومقدساتها من هيمنة الغرب وإنهاء عقود التبعية التي تكبلها، واستعادة السيادة على الثروات التي ينهبها الغرب في رعاية الأنظمة وحمايتها، ومن ثم قيادة البشرية بنور الإسلام، وإنقاذها من ظلم الرأسمالية ووحشية الاستعمار.
يا أمة الإسلام، إننا نملك وعد الله وبشارة رسوله ﷺ، ونملك تاريخاً مجيداً شهد له الأعداء قبل الأصدقاء، ونملك ثروة هائلة وبشراً بالملايين. فلم يبقَ إلا أن ننهض للعمل الجاد، ونقتدي برسولنا ﷺ في طريق التغيير، حتى نقيم الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فنعود خير أمة أخرجت للناس.
﴿هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سعد معاذ – ولاية مصر