الجمعة، 10 ذو الحجة 1446هـ| 2025/06/06م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موت النخوة!

 

بين جاهلية العرب قديماً بنخوتها، وجاهلية حديثة تجافي النخوة يعيشها المسلمون.

 

تمرّ الأيّام سراعاً، ويحلّ العيد تلو العيد، ونحن في وادٍ، وغزّة الجريحة في وادٍ آخر. وبينما يمارس الاحتلال أفظع الجرائم بحقّ إخوتنا هناك، تبدو الأمّة وكأنّها قد اعتادت منظر الدماء والأشلاء والدمار، فلم تعد هذه المشاهد تهزّ وجدانها، وغاب عن ساحتها أيّ ردّ يعكس نخوتها، وكأنّ قول الشاعر أصبح واقعاً نعيشه:

 

من يَهُن يسهلِ الهوانُ عليه *** ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ

 

ربّما تتوارى الشعوب خوفاً أو قهراً، في الوقت الذي خرجت فيه جموع من أحرار الغرب تعبّر عن رفضها لما يحدث في غزّة من إبادة.

 

وفيما تمطر غزّة بأشدّ أنواع القنابل فتكاً، يسقط المئات يومياً شهداء وجرحى، غاب ماء الحياء عن وجوه حكام الذل والعار، وهم يتابعون مشاهد المجازر على الشاشات، دون أن يرف لهم جفن، في وقتٍ ينشغل فيه كثير من المسلمين بتجهيز لوازم العيد من ملبس ومأكل، بينما أهل غزّة يقضون عيدهم تحت نار القصف، خاوية بطونهم، يبحثون عن أشلاء أحبّتهم وسط الركام.

 

لقد غابت النخوة، وغيّب الوهن ملامح الرجولة، وتوارى ماء الحياء عن وجوه من كان الأجدر بهم أن ينتصروا لقضايا الأمّة. فصرخة امرأة مسنّة تستغيث على أنقاض بيتها باتت لا تجد صدى، كأنّها تصرخ في وادٍ سحيق لا يسمع فيه صوت، وتردّد معها حرائر المسلمين في غزة، وفي السودان، واليمن، وليبيا، و... و... صرخة واحدة: وا معتصماه! لكنها في زمن الرويبضات، لا تبلغ الآذان ولا تلامس نخوة المعتصم!

 

في زمن الخلافة، حين دوّت صرخة امرأة في عمّورية، حرّكت جيوش المسلمين، فقام المعتصم، وجهّز جيشاً كان في مقدّمته، وأعاد كرامة المرأة المسلمة. أما اليوم، فقد أصبحت تلك الصرخات مجرد أصوات تُخنق خلف شاشات الصمت، وتُغتال في ممرّات الخذلان.

 

صرخات نساء المسلمين تختلط بتكبيرات العيد، ولسان حالهن يقول: أغيثونا! أوقفوا دعمكم لأمريكا عدوّتنا وعدوّة ديننا. لا تكونوا شركاء في دمنا!

 

ما بالنا نرى الأمّة قلوبها مرتعشة، والوهن قد سكن أرواحها؟ هذا العيد يطرق الأبواب، وسؤال يتردّد في كل قلب: أين النخوة ممّا يحدث في غزة؟ هل ضلّت طريقها؟ هل غرقت في بحار الذلّ؟ هل انجرفت في ظلمات العجز؟

 

ها هم الحكام يعودون مرة بعد أخرى إلى بيع قضايا الأمة بثمن بقائهم على عروشهم، ولو على حساب كرامتهم. وما فعله حكام الخليج، وعلى رأسهم ابن سلمان خير دليل؛ إذ يحمل أموال المسلمين إلى أعتى طاغية في العالم، ليعود بها إلى بلاده مزهواً، كأنّه يقول نحن أولى بأموالكم منكم!

 

أموال المسلمين تستنزف وتُستثمر في بورصات واشنطن، تُقدَّم قرابين لبقاء هؤلاء الرويبضات في الحكم. لقد طفح الكيل، واشتدت الكروب، وما عاد الصمت يجدي في زمن لا يتّسع للزيف ولا يحتمل التجميل.

 

لقد سقطت الشعارات المزيّفة على أعتاب جامعة الدول العربية، وأضحى "البيت العربي" أضيق من أن يحتضن قضيّة واحدة مثل فلسطين.

 

والمأساة الكبرى في هذا الصمت الذي يرى ولا يسمع، يشاهد ولا يتحرّك.

 

فلسطين، يا وجع الأمّة، تسكنين قلب كل مسلم صادق، لا تزالين مهد الصراع والألم، أرضاً مغتصبة، وصرخة ثكالى ومظلومين، يتردّد صداها في التاريخ.

 

لقد ضاعت فلسطين حين ضاعت دولة الإسلام، وتاه عزّ الأمّة حين نُحّي الإسلام عن الساحة، فأصبحنا بلا هويّة.

 

غزّة... الألم يسكن كل قلب، والوجع يُكتب في كل عين، ومع ذلك، يغضّ العالم طرفه عن مأساتك. المتخاذلون عن نجدتك في سبات عميق، وقلوبهم خواء.

 

لكن، في زحمة هذا المشهد القاتم، تلوح بشائر وعي، تتلمّس طريق الخلاص من واقع فاسد، خلاص لا يكون إلا بالعودة الصادقة إلى دين الله، إلى مجد الأمّة الذي لا يُستعاد إلا بما صلح به أولها.

 

وقد بان زيف الحكام المتسلّطين على رقاب الأمّة، شركاء الغرب في تآمره على الإسلام. وإنّ الرائد الذي لا يكذب أهله يدعوكم للعمل الجاد من أجل إقامة شرع الله، من خلال دولة الإسلام التي تحفظ الحقوق وتصون الأرواح. ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع