الخميس، 24 ذو القعدة 1446هـ| 2025/05/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Al Raya sahafa

 

2025-05-21

 

جريدة الراية:

جولة ترامب الخليجية

 

 

 

ليس من الصعب قراءة الأسباب التي دفعت رئيس أمريكا ترامب لزيارة دول الخليج، السعودية وقطر والإمارات، الأسبوع الماضي، إذ إن فعاليات الزيارة وما سبقها وما تخللها من لقاءات واجتماعات وتصريحات كانت واضحة وتحت الشمس وليس بالخفاء.

 

فبداية يجدر بنا الالتفات إلى الأيام القليلة التي سبقت خروج ترامب من أمريكا لزيارة المنطقة لما لها من علاقة بأحداث الزيارة، إذ جاءت الزيارة بعد أيام عاصفة داخل أمريكا كادت تشعل الأجواء بعد قرارات ترامب رفع الرسوم الجمركية على كل دول العالم وخاصة الصين، ما تسبب في خسائر فادحة في سوق الأسهم والسندات هزت السوق الأمريكي هزاً، إذ أغلقت، مثلا، أسواق الأسهم في وول ستريت بخسائر حادة بلغت نحو 6.6 تريليونات دولار على مدى يومين بعد إعلانه الرسوم الجمركية الجديدة على مختلف الشركاء التجاريين. وقد سجل كل من مؤشر ستاندرد آند بورز لأكبر 500 شركة، ومؤشرا ناسداك، وداو جونز، أكبر خسائر أسبوعية منذ آذار/مارس 2020.

 

ومن ثم تراجعت أسواق الأسهم العالمية وانخفضت أسعار النفط بعد أن فرضت الصين رسوما جمركية جديدة على جميع السلع الأمريكية ما أثار مخاوف من حرب تجارية عالمية موسعة.

 

وهكذا اضطربت الأسواق المحلية الأمريكية والعالمية اضطرابا كبيرا كاد يشلها، وسط مخاوف متزايدة من دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود يشابه الكساد العظيم الذي مرت به أمريكا عام 1929م، ولم تهدأ الأسواق إلا بعد أن أعلن ترامب عن تعليق مؤقت لمدة 90 يوما للرسوم الجمركية الجديدة باستثناء الرسوم التي فرضها على الصين والتي سرعان ما توصل إلى اتفاق معها بخفض الرسوم إلى 30% بدل 145%. وهو ما اعتُبر تهدئة جزئية وشكل تفاؤلا للمستثمرين بأن التراجع المؤقت عن التصعيد قد يساهم في تجنب الركود الاقتصادي. هذا بالإضافة إلى القرارات التي اتخذها ترامب أيضا فيما يتعلق بالجامعات والمؤسسات الثقافية والتي نظر إليها على أنها جهود لتوسيع سلطاته، ما أدى إلى تراجع شعبية ترامب إلى أدنى مستوى لها منذ عودته إلى البيت الأبيض، بحسب استطلاع للرأي أجرته رويترز-إبسوس.

 

في هذه الأجواء جاءت تحركات ترامب الأخيرة، وقبلها مباشرة عمل على محاولة تهدئة الجمهور الأمريكي والأسواق بالإعلان عن أنه سيصدر إعلانا "مهما للغاية" بشأن المنطقة قبل جولته في الشرق الأوسط وأنه سيعلن عن الخبر الأكثر أهمية وتأثيرا على الإطلاق، واستمرت حالة الترقب أكثر من ثلاثة أيام حتى جاء الإعلان ليكون عن تخفيض سعر الأدوية بنسبة تتراوح بين 30% إلى 80% على الشخص الأمريكي، والإفراج عن الأسير الأمريكي لدى حماس بغزة، عيدان ألكسندر.

 

فجاءت جولته الخليجية، رافعة اقتصادية وسياسية له لاستعادة شعبيته داخل أمريكا، لذلك حرص أثناء الزيارة على إظهار مشاهد الهيمنة والقوة والعظمة حتى في أبسط التفاصيل، فحرص على مدح نفسه وبلده والإطراء على مظاهر الاحترام الذي ينم على الشعور بالحاجة إلى الشعور بالعظمة والنشوة. فحتى الطائرات النفاثة التي استقبلته في السعودية وقطر والإمارات قام طاقمه بتصويرها ونشرها، وكذلك ما قام به حكام الإمارات المجرمون من إغلاق مسجد الشيخ زايد أمام المصلين يوم الجمعة من أجل أن يزوره ترامب لم يفت ترامب التعليق عليه فقال منتشيا: "هذه هي المرة الأولى التي يغلقون فيها المسجد ليوم واحد، إنه لشرف للولايات المتحدة وتكريم عظيم أشكركم عليه".

 

وحتى عندما حاول أحد الصحفيين إحراجه في ختام جولته من على باب الطائرة الرئاسية، فطرح عليه سؤالا: "هل تشعر بخيبة أمل من مستوى الوفد الذي أرسله الروس إلى تركيا؟"، فأجاب: "لا أعرف أي شيء عن الوفد، أنا لست محبطا من أي شيء، لماذا أشعر بخيبة أمل؟ لقد حصلنا للتو على 4 تريليون دولار"!

 

لذلك كان ترامب حريصا كل الحرص على الظهور بمظهر العائد بغنائم ومكاسب عز نظيرها للشعب الأمريكي، بل وسعى إلى إبراز هذا الأمر بشكل لافت في كل مرحلة من مراحل زيارته، لأنه يريد أن يقنع الشعب الأمريكي أن أمريكا بقيادته سوف تكون عظيمة مجددا وأنه رجل المرحلة. فقال البيت الأبيض في بيان "وقّعت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أكبر صفقة مبيعات دفاعية في التاريخ، بقيمة تقارب 142 مليار دولار".

 

أما الإنجازات الحقيقية التي حققها عدو الله ترامب في جولته فهي التنازلات والتفريط والصغار الذي أبداه له الحكام.

 

فعلى صعيد الأموال، فقد كان واضحا حجم الأموال بالأرقام الفلكية التي فرط بها حكام الخليج ومنحوها له، إذ فاقت ثلاثة آلاف مليار دولار، على شكل استثمارات وصفقات شكلية تضخ المال في السوق الأمريكي، إذ وقعت السعودية على ضخ ما قيمته 600 مليار دولار خلال 4 سنوات، بينما وقعت الإمارات على استثمار 1.4 تريليون دولار خلال 10 سنوات، وقطر وقعت على عقود بمقدار 1.2 تريليون دولار. مبالغ فلكية تكفي لإنعاش البلاد الإسلامية كلها.

 

أما ترامب فهو لم يكتف بهذه الأرقام بل قال إنه يتوقع أن يصل الرقم إلى 4 تريليون دولار، معولا على أن هؤلاء الحكام الأقنان وعلى رأسهم ابن سلمان سيرفعون من قيمة الاستثمارات المعلنة.

 

أما على صعيد الأعمال السياسية، فقد جمع ترامب حكام الخليج وحكام سوريا الجدد، ليملي عليهم رغبته وشروطه الجديدة للإبقاء عليهم على كراسيهم، فطلب منهم الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، والذهاب نحو السلام في المنطقة مع الكيان الغاصب لفلسطين، وهو ما أبدى الحكام الرغبة فيه حتى الرئيس السوري أحمد الشرع، على أن يكون ذلك في الوقت المناسب. ومنّ عليهم بالقبول برفع العقوبات عن سوريا مقابل التعهد بمحاربة الجهاديين والسير بالبلاد نحو الدستور العلماني والتطبيع مع كيان يهود، وحرص ترامب في زيارته على أن يظهر كل الحكام بمظاهر الولاء والطاعة له.

 

فكانت جولة تقطر بالذل والصغار والتفريط؛ تفريط بأموال المسلمين التي نهبها الحكام عبر السنين، وذلا وصغارا أبداه الحكام لقاتل المسلمين الأكبر ترامب، الذي استقبلوه استقبال الأحبة والأبطال، بالسجاد الأحمر والبنفسجي، وبالطائرات النفاثة، وبرقصات ودبكات فتيات المسلمين وفتيانهم، وجمعوا له أمراء البلاد ونساءهم وحاشيتهم ليطأطئوا رؤوسهم أمامه بكل ذلة وصغار، في الوقت الذي يواصل فيه يهود حربهم على غزة بأموال وأسلحة ودعم أمريكا، ففي الوقت الذي كانوا يحتضنون فيه ترامب ومرافقيه كانت دبابات وطائرات يهود تحصد أرواح المئات يوميا من أطفال ونساء ورجال غزة!

 

فنسأل الله أن تكون المشاهد التي رأتها الأمة في هذه الزيارة القشة التي تقصم ظهر البعير، فتتحول المرارة والألم اللتين أحست بهما الأمة وهي تشاهد ما نقلته لها عدسات الكاميرات إلى نار تحرق الحكام وتطيح بعروشهم المهترئة.

 

 

بقلم: المهندس باهر صالح

 عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع