الجمعة، 17 شوال 1445هـ| 2024/04/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح35) خوض الصراع الفكري مع القوميين والوطنيين (ج4)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح35)

خوض الصراع الفكري مع القوميين والوطنيين (ج4)

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ وَالثَّلاثِينَ, وَعُنوَانُهَا: "خَوضُ الصِّرَاعِ الفِكْرِيِّ مَعَ القَومِيِّينَ وَالوَطَنِيِّينَ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالعِشرِينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.

 

يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "تَنْشَأُ بَينَ النَّاسِ كُلَّمَا انْحَطَّ الفِكرُ رابِطَةُ الوَطَنِ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ عَيشِهِمْ فِي أرْضٍ وَاحِدَةٍ وَالتِصَاقِهِمْ بِهَا". وَيَقُولُ أيضًا: "وَحِينَ يَكُونُ الفِكْرُ ضَيِّقًا تَنْشَأُ بَينَ النَّاسِ رَابِطةٌ قَومِيَّةٌ، وَهِيَ الرَّابِطَةُ العَائليَّةُ وَلَكنْ بِشَكْلٍ أَوْسَعَ".

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: كَانَ عِندَنَا فِي المَدرَسَةِ الَّتِي كُنتُ أُدَرِّسُ فِيهَا أُستَاذَانِ يَعمَلانِ مَعِي, وَكَانَا يَحْمِلان فِكْرَة حِزْبِ البَعْثِ القَومِي العَرَبِي, وَيَدعُوَانِ وَيُرَوِّجَانِ لَهَا بَينَ صُفُوفِ الطُّلابِ, وَأحَدُهُمَا أو كِلاهُمَا كَانَ لَهُمَا ارتِبَاطٌ بِجِهَازِ المُخَابَرَاتِ العَامَّةِ .. وَكُنتُ وَللهِ الحَمدُ وَالْمِنَّةُ وَالفَضْلُ أجْهَرُ فِي هَذِهِ المَدرَسَةِ بِفِكْرِ حِزْبِ التَّحرِيرِ غَيرَ عَابِئ بِالنَّتَائِجِ, كُنتُ أُلَخِّصُ مَضمُونَ النَّشرَةِ الَّتِي تَصْدُرُ مِنَ الحِزْبِ عَلَى وَرَقَةٍ, وَأتلُوهَا فِي طَابُورِ الصَّبَاحِ عَبرَ مُكَبِّرَاتِ الصَّوتِ عَلَى مَسَامِعِ مُدِيرِ المَدرَسَةِ وَالأهَالِي القَاطِنِينَ حَولَهَا وَالطُّلابِ وَأسَاتِذَتِهِمْ. وَقَد عَلِمْتُ فِيمَا بَعدُ أنَّ أحَدَ ضُبَّاطِ المُخَابَرَاتِ يَسكُنُ قُرَبَ المَدرَسَةِ. وَقَد حَصَلَ مَوقِفٌ اشتَدَّ فِيهِ الصِّرَاعُ الفِكْرِيُّ بَينِي وَبَينَ هَذَينِ الأُستَاذَينِ إِلَى أبعَدِ مَدَىً حَيثُ كُنتُ أُدَرِّسُ مَادَّةَ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ لِطُلابِ الصَّفِّ الثَّانِي الإِعدَادِي, وَكَانَ أحَدُ الأُستَاذَينِ يُدَرُّسُ لَهُم مَادَّةَ العُلُومِ, وَالآخَرُ يُدَرِّسُ لَهُمْ مَادَّة الاجتِمَاعِيَّاتِ, دَخَلْتُ غُرفَةَ هَذَا الصَّفِّ لأُعطِيَ دَرسًا فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ أشرَحُ فِيهِ قَصِيدَةً بِعُنَوانِ: "قَومِيَّتِي العَرَبِيَّةُ" لِلشَّاعِرِ "هَارُون هَاشِم رَشِيد". كَتَبتُ العُنوَانَ عَلَى الَّسُبورَةِ, وَقُلْتُ لِلطُّلابِ: قَبلَ أنْ نَقرَأ القَصِيدَةَ يَا أبنَائِي أقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الرَّابِطَةَ القَومِيَّةَ فَاسِدَةٌ لِثَلاثَةِ أسبَابٍ عَقْلِيَّةٍ, وَلأسْبَابٍ كَثِيرَةٍ أُخرَى شَرعِيَّةٍ, فَهِيَ تَتَعَارَضُ مَعَ نُصُوصٍ قُرآنِيَّةٍ قَطعِيَّةِ الثُّبُوتِ, قَطعِيَّةِ الدَّلالَةِ, وَهِيَ تَتَعَارَضُ مَعَ نُصُوصٍ أُخرَى مِنْ هَدْيِ السُّنةِ النَّبوِيَّةِ, وَتُخَالِفُ التَّطبِيقَ العَمَلِيَّ الَّذِي كَانَ يُمَارِسُهُ النَّبِيُّ e مَعَ صَحَابَتِهِ فِي سِيرَتِهِ وَسِيرَتِهِمْ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ أجْمَعِينَ.

 

4748

 

وَمَا كِدْتُ أنْهِيَ حَدِيثِي هَذَا حَتَّى رَفَعَ أحَدُ الطُّلابِ الأذكِيَاءِ النُّجَبَاءِ أُصبُعَهُ يَطْلُبُ الإِذْنَ بِالكَلامِ, فَقُلتُ لَهُ تَفَضَّلْ يَا بُنَيَّ! فَقَالَ أُرِيدُ يَا أُستَاذُ أنْ أسألَكَ سُؤَالاً عَلَى شَرطِ أنْ لا تَغْضَبَ مِنِّي, فَإِذَا كُنْتَ تَغضَبُ فَلَنْ أسْألَ سُؤَالِي هَذَا, وَسَأحْتَفِظُ بِهِ لِنَفسِي. فَقُلْتُ لَهُ: لَنْ أغْضَبَ اسألْ سُؤَالَكَ, فَصَدرِي يَتَّسِعُ لِكُلِّ الأسئِلَةِ. فَقَالَ: هَلْ أنتَ يَا أُستَاذُ تَابِعٌ لِوَزَارَةِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ؟ قُلتُ لَهُ: نَعَمْ, أنَا تَابِعٌ لِوَزَارَةِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ. فَمَاذَا بَعدُ؟ قَالَ: وَهَلْ كُلُّ المُعَلِّمِينَ فِي هَذِهِ المَدرَسَةِ تَابِعُونَ لِوَزَارَةِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ, أمْ أنَّ بَعضَهُمْ تَابِعٌ وَبَعضَهُمْ لَيسَ بِتَابِعٍ؟ قُلتُ لَهُ: بَلْ كُلُّ المُعَلِّمِينَ فِي هَذِهِ المَدرَسَةِ تَابِعُونَ لِوَزَارَةِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ. فَإِلَى أيَّ شَيءٍ تُرِيدُ أنْ تَصِلَ؟ وَأينَ سُؤَالُكَ الحِقِيقِيُّ؟ قَالَ: عَلَى شَرطِ أنْ لا تَغْضَبَ كَمَا اتَّفَقْنَا؟ قٌلتُ لَهُ: تَفَضَّلْ يَا بُنَيَّ. قَالَ: أقُولُ لَكَ بِصَرَاحَةٍ يَا أُستَاذُ: لَقَد ضِعْنَا نَحْنُ الطُّلابُ بِسَبَبِكُمْ أنتُمْ أيُّهَا المُعَلِّمُونَ. قُلْتُ لَهُ: وَكَيفَ ذَلِكَ يَا بُنَيَّ؟ قَالَ: تَدْخُلُ أنتَ عَلَينَا فَتَقُولُ لَنَا: القَومِيَّةُ فَاسِدَةٌ, وَيَدْخُلُ أُستَاذٌ آخَرُ غَيرُكَ فَيَقُولُ: القَومِيَّةُ نَافِعَةٌ وَمُفِيدَةٌ, وَقَدِ احْتَرنَا نَحْنُ الطُّلابُ بَينَكُمْ, لا نَعرِفُ مِنْ مِنكُمْ عَلَى صَوَابٍ, وَمَنْ مِنكُمْ عَلَى خَطَأ, وَأيَّ الآرَاءِ نَأخُذُ, وَأيَّ الآرَاءِ نَدَعْ!! قُلْتُ لَهُ: هَلِ انتَهَى سُؤَالُكَ يَا بُنَيِّ؟ إِذَا كَانَ بَقِيَ عِندَكَ كَلامٌ فَقُلْهُ. قَالَ: لَقَدِ انتَهَى سُؤَالِي, وَإِنِّي لأرجُو أنْ لا تَكُونَ قَد غَضِبْتَ!! قُلْتُ لَهُ: أُرِيدُ أنْ أشكُرَكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ أتَدرِي لِمَاذَا؟ قَالَ: لا. قُلْتُ: أولاً: لِذَكَائِكَ وَفِطنَتِكَ وَنَبَاهَتِكَ وَدِقَّةِ انتِبَاهِكَ فِي جَمِيعِ الدُّرُوسِ!! وَثَانيًا: لِحِرْصِكَ عَلَى طَلَبِ العِلْمِ!! وَثَالثًا: لِجُرأتِكَ وَشَجَاعَتِكَ فِي إِبدَاءِ رَأيِكَ!! وَهَذِهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t, وَإِنِّي لأرجُو أنْ تَكُونَ مِثلَهُ فِي حِرْصِكَ عَلَى دِينِكَ مِثْلَمَا كُنتَ شُجَاعًا مِثلَهُ. أمَّا جَوَابِي لِسُؤَالِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ أيَّ نَبِيِّ لا يُقبَلُ قَولُهُ إِلاَّ بِدَلِيلٍ يُثبِتُ صِدْقَهُ, وَنَحنُ المُسلِمُونَ مَأمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الدَّلِيلِ الشَّرعِيِّ, وَلا نَقبَلُ أيَّةَ فِكْرَةٍ إِلا أنْ نَقتَنِعَ بِدَلِيلِهَا, وَأنتَ وَبَقِيَّةُ زُمَلائِكَ فِي هَذَا الصَّفِّ لَدَيكُمْ عُقُولٌ ذَكِيَّةٌ تُمَيِّزُ الغَثَّ مِنَ السَّمِينِ, وَالحَقَّ مِنَ البَاطِلِ, وَالفَاسِدَ مِنَ الصَّالِحِ, فَمَنْ أتَاكُمْ بِفِكْرَةٍ اطلُبُوا مِنْهُ الدَّلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا, فَإِنْ أتَى بِدَلِيلٍ مُقنِعٍ أخَذْتُمْ بِهَا, وَإِلا دَعُوا لَهُ فِكرَتَه. وَأنَا حِينَ أقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الرَّابِطَةَ القَومِيَّةَ فَاسِدَةٌ أسُوقُ لَكُمْ عَشَراتِ الأدِلَّةِ عَلَيهَا, مِنهَا أدِلَّةٌ عَقلِيَّةٌ, وَأدِلَّةٌ شَرعِيَّةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى, وَمِنَ السُّنةِ النَّبَوِيَّةِ المُطَهَّرَةِ, وَمِنْ سِيرَةِ النَّبِيِّ e وَسِيرَةِ صَحَابَتِهِ الأبرَارِ, وَأترُكُكُمْ وَقَنَاعَاتِكُم لا أفرِضُ رَأيِي عَلَيكُمْ. هُنَا وَقَفَ هَذَا الطَّالِبُ وَقَالَ: بِصَرَاحَةٍ يَا أُستَاذُ, نَحنُ مُقتَنِعُونَ بِمَا تَقُولُ, فَآتِنَا بِالأدِلَّةِ. وَكُنتُ قَدْ جَهَّزتُ لَهُمْ هَذِهِ الأدِلَّةَ كَتَبتُهَا لَهُمْ بِخَطِّ يَدِي فِي أرْبَعِ صَفْحَاتٍ عَلَى طَبَقٍ مِنَ الوَرَقِ المُسَطَّرِ ذِي الحَجْمِ الكَبِيرِ, فَاستَعَارُوهَا مِنِّي وَتَنَاقَلُوهَا فِيمَا بَينَهُمْ,كُلُّهُم كَتَبُوهَا عَلَى أطبَاقٍ مُمَاثِلَةٍ لِلطَّبَقِ الَّذِي كَتَبتُ عَلَيهِ, فَدَرَسُوهَا وَفَهِمُوهَا وَحَفِظُوها وَدَبَّرُوا مَكِيدَةً لِمُدَرِّسِ العُلُومِ الَّذِي يُحَدِّثُهُمْ دَائِمًا عَنِ القَومِيَّةِ فَيَمدَحُهَا وَيُمَجِّدُهَا وَيَدعُوهُمْ إِلَى الاقتِنَاعِ بِهَا. فَمَا المَكِيدَةُ الَّتِي دَبَّرُوهَا؟ وَهَلْ نَجَحُوا فِيهَا أمْ أخْفَقُوا؟ وَمَاذَا كَانَتْ رُدُودُ الفِعْلِ عِندَ الأُستَاذِ المُنتَمِي لِحِزْبِ البَعْثِ وَالدَّاعِي لِفِكْرَةِ القَومِيَّةِ العَرَبِيَّةِ؟ هَذَا مَا سَأُحَدِّثُكُمْ عَنهُ فِي الحَلْقَةِ القَادِمَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ وَكَانَ فِي العُمُرِ بَقِيَّةَ.   

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ عَنِ الصِّرَاعِ مَعَ القَومِيِّينَ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع